- تأليف: ستيفني ويسكوت
- ترجمة: محمد الغافري
- تحرير: لطيفة الخريف
- مراجعة التحرير: سعيد السوادي
غالبًا ما يستشهد بإحصائيّة تُبيّنُ أنّ نصف المعلمّينَ تقريبًا يتركونَ مِهنتهم في السنواتِ الخمسِ الأولى، وأنا قد أصبحتُ ضِمنَ هذه الإحصائيّة، وذلك عندما استقلتُ من النّظام التعليميّ الحكوميّ العامَ الماضي، بعد خمس سنواتٍ قضيْتُها فيه.
لقد كُتِبَ الكثير في السّنوات الأخيرة عن معاناةِ المعلمين تجاه مقدار الأعمالِ المفروضةِ عليهم ومُتطلّباتها، ومؤخّرًا، كشفت دراسة مسحية صّادرة عن اتّحادِ التّعليم الأستراليّ لعام 2016 أنّ ما يزيدُ قليلًا عن ثُلث المعلّمين في جميعِ المَدارس أشاروا إلى أنّ عبء العمل المَفروضِ عليهم كثيرًا ما يُؤثّر سلبًا على صحّتهم، وعِندَ سُؤالهم عمّا يُمكن أنْ يُساعدهم في مُعالجةِ هذه المُشكلة؛ أشارَ 80% منهم إلى أنّ تقليل المَطالبِ الروتينيّة سيُساعِدُهُم كثيرًا في حلّ تلك المشاكل وسيتسبّب في تحسّن صحّتهم.
غالبًا مَا تستحوذُ الشّكاوى المُتعلّقة بالرِّضَا الوظيفيّ للمُعلّمين على غَضَبِ الجُمهورِ، الذي يَزْعُمُ أنّ عطلاتنا الكثيرة تُعوّض الأعمال الإضافيّة التي نفعلها بل وأكثر. يَعملُ المعلّمونَ باستمرارٍ عكس تصوّرات الآخرينَ عن أعْمَالِنَا التي تُرى بأنّها أعمالٌ لا تستحقّ التّقدير.
إنّ أكبَرَ تقويضٍ للمِهنَة يأتي من المُبادَرات الرّوتينيّة التي تدّعي أنها تَعْمَل على تحسينِ جودة المُعلّم، تَشْمَلُ هذه المُتطلّباتُ أنْ يقومَ المُعلّمونَ بإنتاج وتحليل البَياناتِ لتَوجيهِ عمليّة صُنع القَرَار، وتَطبيق قوالبَ عَلَى مُستوى المدرسةِ لتَنظيمِ الدّروس، وآليّات مُراجعة الأداءِ الصارمة أيضًا، فضلاً عن مجموعةٍ مِنَ المُتطلّبات الإداريّة.
تَعْملُ هذه المُتطلّباتُ على تنحِيَةِ وكالة المعلمين، أضف إلى ذلك أنّ المُطالبةَ بمزيدٍ مِنَ التقاريرِ وكَثرةَ المُساءَلة تُشيرُ-وهذا أمرٌ مثيرٌ للقلق– إلى أنّ المُعلّمين لا يُمكنُ الوُثوقُ بهم للعَملِ بصورة مُستقلِّة.
ومع أنه لا يوجد خطأ جوهريّ في تطبيقِ نماذج من المُمارسات المبنيّة على الأدلّة، أو في مُطالَبة المُعلّمين بالتّعاملِ مع البَيَانات في مُمارساتِهم؛ لكن مثل هذهِ الاتّجاهات الإجرائيّةِ تُعزّزُ فكرة أنّ خبرة المُعلّمِ موجودةٌ خَارج مُمارستنا المهنيّة الخاصّة.
إنّ الانتشار المُتزايد للمُتطلّبات التي تُلزمُ المعلّمينَ بأنْ يتّبعوا نماذِجَ مُوحّدةً للمُمارسة – حيثُ تُختار هذه النّماذج بناءً على قواعِدَ ضيّقة من الأدلّة – يُشيرُ إلى أنّ انعدام الثّقة في المُعلّمينَ بوصفهم مُحترفينَ مُؤهّلينَ هو أمر آخِذٌ في الازدياد. هذه المُمارسات أيضًا تفشل بصورة لا تصدّق في إدراكِ أنّ العمل مع الفتيان أمر لا يُمكن التنبّؤ بسيْرِهِ، فأسلوبُ التعليمِ الفعّال في مكانٍ مُعيّن قد لا ينفَعُ في مكانٍ آخر.
غالبًا ما تَتَجاهل التّصورات حول عَملِ المُدرّسين عُنصرًا أساسيًّا ومُهمًّا وهو أن: التعليم عمل عاطفيّ بصورة أساسيّة. إنه عَمَل علائقيّ، والتعليم الجيد أولاً وقبل كلّ شيء يُنشئ روابط مع الطلاب بوصفهم أساسًا للتعلّم.
الفصول الدراسيّة الأسترالية معقّدة، فالمُعلّمون يجدونَ أنفسهم أمام طُلابٍ يُعانون من تاريخٍ للصدمات النّفسيّة، وطلاب لاجئين، وطُلّاب طالبي لجوء، وطلاب من ذوي الاحتياجات التعليمية والتحدّيات السلوكية. إنّ جوهر هذه المهنة هو عمل أشخاص (مُعلّمين) مع أشخاص آخرين (طُلّاب)، لذلك فالتّعامل مع الطّلاب يُوجِبُ على المعلّمين الاعتماد على خبرتهم في الحياة، وذلك من أجل تقوية المهارات الاجتماعيّة والفكريّة والعاطفيّة للطلاب، وكذلك من أجلِ زيادة الثقة بأنفسهم ودعمهم خلال هذه المراحل الانتقاليّة من حياتِهم. التّعليم الجيّد يحتاج حَدْسًا، وهو مهارة يُنتقص منها بسبب عدم احتياجها إلى تفكيرٍ منطقيّ أو إجراء تجارب، أضف إلى ذلك أنّ التعليم مهنة يصعُبُ تحويلها وتجريدها إلى لغة الإنتاجيّة والكفاءة.
في بعضِ الأحيان، تكون اللّحظات الأكثر عُمقًا ورسوخًا في التّعليم هي أمورا جانبيّة، كأنْ يكتُبَ لك طالبٌ رسالةً في نهاية السّنةِ يشكركَ فيها على اهتمامك به، بعد إحساسِهِ بعدم الجدوى، كيف يمكن للمعلم تحويل هذه اللحظات إلى دليل على فعاليّتهِ أو دليل كميّ على تأثيرهِ؟
عندما نبدأ بالبحثِ عن إجابات لكيفيّة حماية القوى العاملة للمعلّمين، فإنّه يجدُرُ بنا أوّلًا البحث عن العلاقات بينَ المعلّم والطالب بوصفها نموذجًا للتنشئةِ والرّعاية، يجبُ على المعلمين رؤية طلابهم بوصفهم كائنات واعية لها قيمتها الفرديّة الخاصّة وليس بوصفهم آليات لإنتاج البيانات، ونحتاجُ إلى رؤية معلّمينا، وبخاصّةٍ المبتدئين منهم، بهذهِ الطّريقةِ أيضًا.
إنّنا بحاجة إلى إيجادِ طُرُق جديدة لتقييمِ تأثيرِ المعلّم، طرق تُقدّرُ العمل الاجتماعيّ والعاطفيّ للتّعليم، طُرُق تتجاوز المقاييس، وتتجاوز النتائج والبيانات وآليات قياس الكفاءة.
المصدر: #