كارولين ويب
ترجمة: مشاعل القحطاني*
تحرير: محمود سيّد
توطئة: التسويف عادة بشرية جُبِل عليها الإنسان، إذ يميل إلى المُسارعة في إزاحة المهام السهلة عن عاتقه، غافلًا عن الصعب والمهم منها ومُؤجّلًا إياها إلى أجل غير معلوم. فما التفسير العلمي لهذه الظاهرة؟ يُجيبنا العلم قائلًا: إنّ لأدمغتنا جبلّةً يُغريها جني الثمار العاجلة المحسوسة لِمَا نقوم به، فذلك أهون من ترقّب ثمار بعيد نوالها، وهو غالبًا شأن المهامّ الشاقة والثقيلة.
سبيل معالجة هذه المشكلة هو وضع آلية لإتمام المهام على أن تكون الآلية سهلةً ميسّرةً، غير مُخلّة بأهمية العمل نفسه. كما أنّ إخبار أحدهم بعزمك على إنجاز مهمة معينة في وقت محدد سيكون دافعًا للإنجاز. ولكي تسهّل تلك المهام: ابدأ أولًا بتقسيمها إلى مراحل وخطوات صغيرة؛ تبرز فائدة ذلك في الإبقاء على حافزك واستمرارك وطرد الملل عنك؛ وحتمًا سيُدهشك ما أنجزته بذلك التدرّج.
يُغرينا سراب التسويف.. فتارةً نعزم على إتمام مهمة مّا ثم ترانا نختلق لتأجيلها أعذارًا لا حدّ لها! وقد نعمد لقائمة المهام فننتقي منها أسهلها -كالرد على رسائل البريد- فنُوليها جُلّ اهتمامنا؛ لسهولة إنهائها، مُغفلين ما هو أهم منها! وتارةً نُوهِم أنفسنا بالتشاغل، مُظهرين بذلك براعةً في التملّص من العمل، ولا يسعُنا حينها -ونحن نرقُب مهامنا تتراكم مع الأيام- إلا أن تتقطع أنفسنا علينا حسرات.
تكمن المشكلة في برمجة واعتياد أدمغتنا على التسويف، حيث جرت العادة أن ندّخر جهودنا الآن مع علمنا أنها ستُفضي بنا -لو بذلناها- إلى مستقبل باهر. ويعود ذلك إلى أنّ الدماغ يستسهل مُعالجة المهام ذات الثمار القريبة المحسوسة على تلك البعيدة، ناهيك عن أنّ العقل يتفطّن للمشقة العاجلة أكثر من تفطّنه للثمرة الآجلة، وهذا ما يُلجئ الإنسان إلى التكاسل.
وقد أطلق عليه علماء السلوك مصطلح (الانحياز للحاضر) إشارةً إلى تفوّق الدماغ في استيعاب جهوده عاجلة الثمرة على تلك التي ثمرتها آجلة.
ما السبيل لدرء التحايل على المهام؟ الأمر مرهونٌ بإيجاد توازن بين تكاليف جهدنا وثمرته، عبر إقناع أنفسنا بأنّ ما نجنيه من إنجاز المهمة يفوق بكثير ما نُعانيه في سبيل إنجازها. ومعلومٌ أنّ مشاعر البهجة التي تُثلج صدورنا عند إتمام عملٍ مّا، تُنسينا مشقة ما قاسيناه أثناء ذلك.
حتى تكون ثمرة عملك أكثر واقعية
تصوَّرْ مدى عظمة إنجاز مهامك والانتهاء منها على أتمّ وجه! وجد باحثون أنّ الناس يميلون للادّخار من أجل تقاعدهم في المستقبل إذا ما عُرِضَت عليهم صور رقمية قديمة لأنفسهم، لماذا؟ لأنّ ذلك يُشعرهم بقدر من واقعية مستقبلهم، ومن ثَمّ فإنّ ثمرات الادخار للمستقبل تكون مُعتبرةً أيضًا وواقعيةً. عندما نطبّق نفس المبدأ على مهامنا التي نتجنّب القيام بها، فنرسم صورًا ذهنيةً حيةً عن فائدة ما يجب علينا إنجازه قد يكون ذلك كافيًا لدفعنا للعمل، لذا فإنك إذا كنت تتجنب الردّ على مكالمةٍ مّا أو رسالة بريد؛ فساعِدْ عقلك في تخيّل شعور الرضا المستقبلي بعد إتمام المهمة! ولك أيضًا أن تتخيّل نظرة الارتياح على وجه مَن كانوا ينتظرون منك الردّ نتيجةً لحصولهم على مُرادهم منك.
إلزام نفسك بإعلان مُسبَق لما تودّ القيام به
إنّ إعلام الآخرين من حولك بأنك بصدد عمل شيءٍ مّا يزيد وبقوة من دافعية اتخاذ خطوة عملية نحو الإنجاز، يعود ذلك إلى أنّ نظام المُكافأة في داخل أدمغتنا يستجيب بشكل كبير للشأن الاجتماعي. كما وجدت الأبحاث أنّ الإنسان يتطلّع لأن يكون محلّ اهتمام واحترام الآخرين، حتى الغرباء منهم، فلا أحد يحب أن يبدو أحمق أو كسولًا في نظرهم؛ ولذلك فإننا عندما نعمد إلى التصريح بما سنقوم به، كقولك لزميلك: “سأرسل لك التقرير مع نهاية اليوم”، فإنك -إلى جانب أن تُلزِم نفسك بالقيام بذلك- تُضيف ميزةً اجتماعيةً تُعينك على الوفاء بوعدك، وذلك حافز كافٍ لدفعك نحو العمل.
استحضار عيوب التقاعس عن الإنجاز
توصّلت الأبحاث إلى أننا ننفِر بشكل غريب من تقييم الوضع الراهن، على أننا كثيرًا مّا نُوازن بين محاسن ومساوئ إنجاز عملٍ مّا، إلا أننا نادرًا ما نتحدث عن المحاسن والمساوئ المترتبة على عدم إنجاز ذلك العمل. وغالبًا ما يقودنا ما يسمى بـ(تحيّز الإغفال) إلى التعامي عن بعض الإيجابيات الجليّة للإنجاز. ولنفترضْ أنك تسوّف كثيرًا من الأعمال التي تُلزمك في اجتماعك القادم وتقوم بخداع نفسك بحجة أنّ هناك من الأعمال ما هو أهم وأكثر جذبًا، فتقول: “لنؤجّلْ تلك المتطلّبات لغدٍ أو بعد غد”، فإنك إن أجبرت نفسك على التفكير بعواقب ذلك التسويف ستُدرك أنّ الأوان قد مضى على تحضير ما يلزمك للاجتماع؛ لذلك ابدأ الآن، فلا تزال الفرصة سانحةً أمامك للإدراك..
لكي تكون تكاليف عملك أقلّ جهدًا
خذ الخطوة الأولى
أحيانًا يكون الدافع لتأخّر الشروع في العمل هو أننا نهاب البدء فيه، فمثلًا لنفترض أنّ من ضمن قائمة المهام “تعلم اللغة الفرنسية” ولكن السؤال هو: مَن يُطِق القيام بتلك المهمة في فترة الظهيرة على سبيل المثال؟ الحيلة المناسبة هنا في تقسيم المهمة المطلوبة إلى مراحل مقسمة وخطوات صغيرة حتى لا يكون العمل عليها مُجهِدًا. والأفضل من ذلك أن تحدّد أصغر خطوة فتجعلها الأولى وتبدأ بها، فمن شأن ذلك أن يجعل الأمر أسهل بكثير مما تتصوّره! لدرجة أنّ عقلك “المُتحيّز للحاضر” سيتفاجأ من أنّ الثمرة العائدة عليه الآن تفوق الجُهد الذي بذلته! هذه الحيلة قد تُورِثك الكثير من الحماس وتُبقي على تحفّزك، حتى أنك قد ترسل بريدًا إلى صديقك تُوصيه بتعلم اللغة الفرنسية! :)
قم بتلك الخطوة الصغيرة وستشعر بحافز أكبر للانتقال للخطوة التي تليها، أكثر مما لو انكببت على المهمة قبل تقسيمها وشرعت فيها دون خطوات محددة، ولربما كنت لا تزال تُغالب نفسك لافتقارك للمهارات اللغوية.
ربط الخطوة الأولى بمكافأة
يمكننا أن نجعل المجهود الذي سنبذله أقل بكثير إذا ما ربطنا القيام بالمهمة بأمرٍ نتطلّع للحصول عليه. بمعنًى آخر، اربط الأمر الذي تتجنّبه بأمر لا تتجنّبه. فعلى سبيل المثال، قد تُعطي نفسك فرصةً لقراءة مجلة أو كتاب متوسط المستوى، أثناء وجودك داخل الصالة الرياضية؛ إنّ متعة القيام بذلك تشتّت إدراك العقل لتكلفة جهد التمرين على المدى القريب. وبطريقةٍ مُماثلة، وبذات المبدأ؛ يمكنك استجماع انضباطك لإكمال المهمة إذا ما وعدت نفسك بالقيام بها في مقهًى لطيف مع مشروبك المفضل.
إزالة العوائق الخفية
في بعض الأحيان نجد أنفسنا نتردّد في أمر مّا، غير قادرين على البدء به واتخاذ خطوة أولى فيه، وفي تلك الأثناء يعلو بداخلنا صوت يقول: ” أجل.. تلك فكرة جيدة.. ولكن.. لا” في هذه اللحظة تمامًا يجب أن نبادر بطرح سؤال على مصدر ذلك الصوت: “ما الذي يجعلك غير محفّز لنا للقيام بالعمل؟” لا تقلق، ليس عليك زيارة طبيب نفسي حيال ذلك..
ولكن عليك أن تتحامل وتطرح على نفسك بعضًا من أسئلة “لماذا؟”، لماذا أشعر بصعوبة القيام بذلك؟ لماذا يحدث كل هذا؟ وبالإجابة على ما شابه ذلك من أسئلة تتضح لك العوائق الخفية.
في كثير من الأحيان قد تكمُن المشكلة في أنّ تطلّب المثالية في القيام بالمهمة يقوّض من دافعية العمل. فمثلًا، لنفترض أنك تجد صعوبةً في إعداد قائمة مهامك اليومية في الصباح الباكر، قليل من الاستفهامات بسؤال “لماذا؟” قد تبيّن لك أنّ سبب تلك الصعوبة هو أن وقت القيام بالمهمة يتعارض مع وقت الإفطار، فتجد نفسك في صراع بين أن تحظى بإفطار مع عائلتك أو أن تقوم بإعداد قائمتك. إن استحضار هذا الأمر وجعله واضحًا أمامك سيسهّل عليك إيجاد حل للتغلّب على هذه المعضلة، كأن تبكّر في إعداد القائمة وتحديد أهدافك في الليلة التي تسبق ذلك اليوم، أو في طريقك إلى العمل، فتحديد المهام في الصباح الباكر عمل مثالي ولكنه ليس ضروريًّا..
نخلُص إلى أنه في المرة المُقبلة التي تجد نفسك فيها مُحتارًا بسبب عدم قدرتك على القيام بعملك أو إنجاز مهامك؛ فلا بأس، ارفُق بنفسك، واعلم أنّ عقلك يحتاج أن توسّع أفقه وتُرِيَه الواقع بوضوح تام، ثم حاول دائمًا أن تتخذ خطوةً ولو كانت صغيرةً، وستجد أن قوائم مهامك ممتنة لك دائمًا.
* أُهدي هذه الترجمة إلى من شدّ أزري ونفَثَ الشكيمة في روحي (المترجمة)