سونيا بول
ترجمة: يارا عمار
تحرير: عبد الرحمن الجندل
أدى هوس الغرب بالمعلمين الروحانيين إلى ظهوره المستمر في برامج “البودكاست” وحلقات النقاش، يقول البعض إنه “معلم روحاني نيو ليبرالي في عصر الليبرالية الجديدة”.
في أكتوبر عام 2020م، نشر المعلم الهندي الروحاني الذي يسمي نفسه “سادجورو” فيديو على حسابه في “إنستغرام” بدا أنه يدعم مكانته الشهيرة في الغرب.
وفي ذلك يكشف ويل سميث أنه يتابع سادجورو منذ مدة، ويشيد بكتابه الأكثر مبيعًا بين كتب المساعدة الذاتية في نيويورك تايمز؛ فيستقبل الممثلُ أحد أقوى معلمي الهند الروحانيين في منزله، حتى تسترشد عائلته بروحانيته، ثم يتحول الفيديو إلى سادجورو الذي كان يستقل دراجة نارية، ويرتدي قرطًا طويلًا أصفر اللون، وسروالًا أسودًا، وحذاءً أبيضَ ذو رقبة، بلحيته البيضاء الكثيفة كلحية سانتا كلوز!
يبدو سادجورو، كمن سبقه من المعلمين الروحانيين، غريبًا ومألوفا في الوقت ذاته، حيث يترجم ما يبدو كتعاليم خالدة لعصرنا الحديث، يؤكّد جاجاديش “جاجي” فاسوديف -المعروف بسادجورو- أنّ أنجح الناس هم أشدهم بؤسًا، وأن معاناتنا تستمر ما حيينا؛ وبينما يحرص سميث وابنته “ويلو” على كل كلمة له، يمازحه سادجورو أثناء النقاش الدائر على مائدة العشاء قائلًا “أنت مخرج سيئ لمأساتك”.
لا غرو في رواج إشاعة نية سميث في مقابلة سادجورو، عندما شُوهد في مومباي أواخر أبريل في أول نزهة عامة له بعدما صفع كريس روك في حفل توزيع جوائز الأوسكار، لكن هذا لم يكن صحيحًا؛ لأن فاسوديف كان منشغلًا بشؤونه الخاصة.
نصّب هذا الروحانيّ نفسه كمؤسسٍ لمنظمة: إيشا – (Isha): وهو مركز روحاني غير ربحي، يضم مركزًا لليوجا، ويسعى لإنشاء أكثر من 300 فرع حول العالم، كما أن له برنامجًا إذاعيًا وقناة مشهورة على اليوتيوب، واستُضيف في بداية هذا العام في برنامج: (Trevor Noah)، وبودكاست: (Joe Rogan) لمناقشة حملته البيئية الأخيرة “أنقذوا التربة”.
وفي 21 يونيو، أنهى سادجورو رحلة استغرقت 100 يوم على الدراجة النارية، عبر بها أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط؛ لحشد الدعم لقضيته البيئية.
وصل مؤخرًا إلى الولايات المتحدة لاستمرار تطوير حركته “أنقذوا التربة”، ولتقديم برامج متعلقة باليوجا خلال شهر يوليو، طبقًا لما ذكره متطوع من منظمة إيشا أجاب فيها عن الأسئلة عبر الإيميل. وأضاف المتطوع الذي لم يذكر اسمه واكتفى بالتوقيع باسم “متطوع إيشا” أنهم كانوا ينظمون المزيد من الفعاليات في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
حظي فاسوديف بجمهور منفتح بين قادة العالم، بالإضافة إلى المتطوعين معه والمشاهير مثل: ماثيو ماكونهي، وأندريا بوتشيلي، وفي الهند، رحّب سادجورو بتكريم رئيس الوزراء اليميني الهندوسي، ناريندرا مودي، وغرّد هذا الشهر بصورة له مع عمدة نيويورك السابق مايك بلومبرج؛ كما أنه تحدث إلى شركة جوجل ومايكروسوفت الهند والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، وخاطب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر في مايو.
في حين أنه ليس من أقوى الشخصيات العالمية، لكنه يعدّ من أقوى المؤثرين في عالم الإنترنت: اجتمع فاسوديف مع مقدم برامج اليوتيوب لوجان بول ومجموعة من أصدقائه لمناقشة مشاكل العلاقات ومعنى الحياة، وكان مرتديًا ثياب العمل ونظارة شمسية وقبّعة رعاة البقر، وقدّم بول سادجورو على أنه “أبرز المعلمين الروحانيين في العالم وأكثرهم مشاهدة”، وأثار ضحك سادجورو عندما أصرّ المقدم على أن هذا يعني أن لديه إجابة لكل شيء.
حتى مع إقرار فاسوديف بأن خبرته تمتد من اليوجا إلى أزمة المناخ، فهو يرى أنه لا يعلم شيئًا؛ ويعترف بأنه لم يراجع أي كتب مقدسة قديمة، ويقول إن اسمه، سادجورو كوصفٍ لـ “المعلم الروحاني غير المتعلم”، على أن من يعرف “السنسكريتية[1]” قد يستنتج أن سادجورو كما يوحي معنى اسمه هو “المعلم الروحاني الحقيقي”.
جذبت شخصية فاسوديف 8.3 مليون متابع على “إنستغرام”، و3.9 مليون متابع على “تويتر”؛ ليكون بذلك على هذه المنصات أشهر من المدرب توني روبنز، أو مؤلفة كتب المساعدة الذاتية والمرشحة الرئاسية السابقة ماريان ويليامسون؛ وحسابه على تيك توك مخصص لمعجبيه من خارج الهند؛ لأن المنصة محظورة في الهند، ويعرض فيه كيف ينتقل بين الهويات المختلفة: يعظُ بالكلمات الحكيمة أثناء ارتدائه الجلباب والعمامة، ويتجوّل في أسواق المزارعين مرتديًا بنطال الحمولة ونظارة شمسية، ويركب دراجته النارية أثناء العواصف الرملية ولحيته ترفرف مع الريح.
من الطبيعي -في عصر ثقافة الإبداع وانعدام الثقة في السلطة والقلق بشأن المناخ والنهج الفردي للروحانية- أن ينجذب المتابعون من أنحاء العالم لقائدٍ يتصرف كمتمرد بين المعلمين الروحانيين؛ وما زالت الشكوك تُثار حول المعلمين الروحانيين، وفاسوديف واحد منهم.
يجادل منتقدوه بأنه يقوم بأعمال دعائية للترويج لنفسه فقط؛ وبصفته حليفًا لمودي، الذي أيد سياسات مثيرة للجدل ضد المسلمين، فإنه ينشر القومية الهندوسية تحت ستار الخيال الاستشراقي الغربي.
يوضّح تولاسي سرينيفاس، أستاذ الأنثروبولوجيا والدين والدراسات عبر الوطنية في كلية إيمرسون ومؤلف كتاب: (Winged Faith) عن كيفية انتشار المعلمين الروحانيين عالميًا فيقول: عندما نلقي نظرة تاريخية على فاسوديف، يظهر أنه قد جلب المعرفة الروحانية إلى القرن الحادي والعشرين، في حين أن المعلمين الروحانيين المعروفين السابقين عانوا من الاعتراف بالزهد مع اعتناق المادية؛ لكن فلسفة فاسوديف الروحانية تتجنّب هذه المشكلة الكلاسيكية بالدوران حولها. ويضيف: إن طريقة تفكيره “قد تكون محاطًا بكل شيء، ويمكنك أن تكون طالبًا روحانيًا حقيقيًا. إنه معلم روحاني نيو ليبرالي في عصر الليبرالية الجديدة”.
ولد فاسوديف عام 1957م لعائلة ثرية تتحدث بلغة التيلجو في مدينة ميسور بجنوب الهند، ويتبع عددًا من المعلمين الروحانيين المشهورين الذين ظهروا في المشهد العالمي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكان ظهورهم جميعًا من جنوب آسيا، وغالبًا من بيئة هندوسية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن معتقداتهم هندوسية، كما تقول أماندا لوسيا، -الأستاذة في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد التي تدرس التعليم الروحاني-: “غالبًا ما يبتكرون مذاهبهم الدينية الفريدة والشخصية، وأحيانًا يؤسّسونها لمواجهة الهندوسية البراهمينية، كانت فرصةَ عملٍ خلال الإمبراطورية في الغرب.”
كان سوامي فيفيكاناندا وبارامانسا يوغاناندا اثنين من أشهر المعلمين الروحانيين في تلك الحقبة، وكانا مصلحيْن يواجهان المفاهيم التحقيرية المسيحية والاستعمارية عن الهندوسية باعتبارها “وثنية”؛ وكلاهما اكتسب أتباعًا وأنشأ مراكز في الولايات المتحدة؛ لكن غيرهم من المعلمين الروحانيين، لاسيما الذين ظهروا في الفترة بين الحربين العالميتين، كانوا يستفيدون من الفضول والسذاجة، وأحيانًا من تعطش المستشرقين في الغرب للتعاليم الروحية الهندية.
يقول فيليب ديسليبي، المرشح للدكتوراة في الدراسات الدينية بجامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، إنهم متأثرون بالذاتوية/ بذواتهم؛ فبعضهم لديه خلفيات راسخة ويحاولون نشر عقيدتهم، بينما يتباهى غيرهم بالشهادات الزائفة ويستغلون سلطتهم على أتباعهم لكسب راتب كالموظفين. “كان لأشهر المعلمين الروحانيين منذ مئة عام مقومات: فكان يوغاناندا مدير جولات سياحية، وكان يوغي هاري راما، الذي اشتهر في أواخر العشرينات، سمسارًا.”، ولا يختلف فاسوديف عنهم؛ فقد قال أثناء لقائه الذي استمر ثلاث ساعات مع روجان، في مارس، إن عدد المتطوعين بمؤسسة إيشا: 5600 متطوع بدوام كامل، وهناك أكثر من 16 مليون متطوع بدوام جزئي، كما أنهم يشرفون على مختلف حسابات وسائل التواصل، وهم وراء ظهوره حول العالم. كما لاحظ روجان أن فريق فاسوديف تواصل مع برنامج البودكاست الخاص به.
بينما يقدم فاسوديف الإجابات للطلاب، يعمل بنشاط على حشد المتابعين كأسلافه، وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي، عندما أصبح الاهتمام بالروحانية الشرقية متداخلًا مع الحركة المضادة للثقافة الأمريكية، وتوافد الغربيون إلى الهند لمعرفة معنى الحياة، صار المعلّمون الروحانيون عالميين بعد أن كان أتباعهم من داخل الهند فقط -كما يقول سرينيفاس-، وبعد فتح سياسة الهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1965م، سافروا إليها لتوافق أفكارهم وفلسفاتهم مع الحالة العامة للوقت الحاضر.
كان ممن هاجر إلى الولايات المتحدة: مهاريشي ماهيش يوغي، الذي طور التأمل التجاوزي، وجذب أتباع فرقة البيتلز؛ وبرابوبادا الذي أسس الحركة المعروفة باسم حركة هاري كريشنا؛ كما كان من ضمن المهاجرين: موكتاناندا الذي أنشأ: (Siddha Yoga ashram)، ومراكز للتأمل؛ وأيضًا: أمريت ديساي الذي أسس حركتي اليوجا (Kripalu Yoga) و (I AM)؛ وكذلك: راجنيش الذي أصبحت بلدته في ولاية أوريجون مصدرًا لمسلسل: (Wild Wild Country) المعروض على نيتفليكس.
تبع ظهور هؤلاء المذكورين سلسةً من الفضائح، كالاعتداء الجنسي والفساد المالي والقتل وحتى الإرهاب البيولوجي، خاب أمل النقاد بسبب الفظائع والادعاءات المرتبطة بالمعلمين الروحانيين؛ حيث جادل بعضهم بأن هذه الانتقادات أدت إلى بقاء الصورة النمطية عن “الرجل الشرقي الشهواني”، ولا تزال هذه الآراء تطارد شخصية المعلم الروحاني.
جمع المعلمون الروحانيون في الهند أتباعًا لقرون، إن لم يكن لآلاف السنين، لم يكن جميعهم مشهورين، ولا دجالين، ولا رجال؛ لكنهم كانوا محاطين غالبًا بغموض/ ضبابية ديناميكيات القوة الجنسية والمال، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن الحداثة قد أفسدت نموذج المعلم الروحاني التقليدي، واستبدلته بالأعمال والسياسة، وحتى الآن، عادةً ما توجد علاقة تكافلية بين المعلمين الروحانيين والسياسيين؛ حيث تزداد فرصة نمو المعلمين الروحانيين باتصالهم بالسياسيين، ويتمكن السياسيون من اكتساب ناخبين بفضل تأثير المعلمين، طبقًا لما ذكرته سرينيفاس حيث تقول: “كان معظمهم مروّجين لأنفسهم، لكن كان لهم قوة / سلطة جليّة أدّت إلى كسب ولاء الجماهير، وفي الوقت المعاصر، ادعى بعضهم أنهم آلهة على الأرض.” ظهر فاسوديف من هذه الخلفية وأصبح سادجورو، ولكل معلم قصة لأصله وخصوصياته.
وفقًا لكتاب: (Sadhguru, More Than a Life) -وهو ليس سيرة ذاتية، بل سرد شخصي لرحلة حياة رجل- يحذّر مؤلفه أرونداثي سوبرامانيام من أن فاسوديف لم ينشأ نشأة روحانية ولا دينية، بل تجنب الذهاب للمعابد، واستبدلها بمجلات ناشونال جيوغرافيك وأفلام باللغة الإنجليزية.
قال فاسوديف إنه بدأ ممارسة اليوجا في الثالثة عشرة من عمره، بعدما رأى رجلًا مسنًا يقفز في بئر يزيد عمقه عن 150 قدمًا، ثم يتسلّقه أسرع من أي طفل، بفضل اليوجا! ظلّت اليوجا ممارسة جسدية بالنسبة لفاسوديف، ومع تقدمه في العمر، امتدت مواهبه الجسدية إلى ركوب الدراجات النارية، وأمضى وقته مع أصدقائه المتعصبين للدرجات النارية، وبعدما حصل على شهادة في الأدب الإنجليزي من جامعة ميسور، عمل في مزرعة دواجن، وبدأ ممارسة التأمل في هذه المرحلة، طبقًا لما ذكره.
يذكر عن نفسه بأن أحد نقاط التحول في حياته وقعت عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره؛ حيث صعد أحد تلال ميسور بدراجته النارية، وبينما كان يستريح حدث شيء ما: “إذا بي لا أتبيّن كُنه نفسي، كنت منتشرًا في كل مكان، وكانت تفيض كل خلية من خلايا جسدي بقدر هائل من النشوة لا يمكن وصفه، اعتقدت أن هذا الجنون استمر من خمس إلى عشر دقائق، لكن عندما عدت لحالتي الطبيعية، اكتشفت أنه قد مر أربع ساعات ونصف”. لم يبكِ كثيرًا، لكنه أخذ في النشيج. يؤكد فاسوديف أن تلك كانت مرحلته التنويرية.
يدّعي فاسوديف أن الأمر قد حدث مرارًا وتكرارًا على مدى الأسابيع الستة التالية، وأنه استمر ثلاثة عشر يومًا، ثم انقطع لمدة عام! ويقول بأنه بدأ بعدها بتعليم اليوجا لمشاركة ما يجول بخاطره؛ فبدأ في جمع الأتباع، ثم أنشأ مؤسسة إيشا لليوجا عام: 1992م بعد عقد من الصحوة المعلنة.
يتبني فاسوديف، بصفته سادجورو، نوعًا من فلسفة العصر الجديد التي تبيّن حكمة البقاء وفقًا لشروط العالم النيوليبرالي والرأسمالي، إنها تؤكد على المسؤولية الفردية دون مراعاة النظام الذي يعيش فيه المرء، وتعتبر المساعدة الذاتية غالبًا الطرف النقيض للتغير الاجتماعي، يظهر صدى تعالميه مع المظهر الثقافي، بتركيزها على كيفية جعل حياتك واقعية وإدراك إمكانياتك، يقول فاسوديف: “قدَرُك هو ما تسعى لإيجاده، ومصيرُك هو ما يحدث عندما تخفق في إيجاد قدرِك.”
من بين جمهوره الأساسي المتحضّرون ومتحدثو الإنجليزية من الهنود الذين يعتبرون أنفسهم علمانيين؛ نجده يتحدث باستمرار عن الذات، ويدمج بين لغة وادي السليكون والتكنولوجيا؛ لاستهداف الطلاب العالميين! يقول إن الكارْما هي “برنامجٌ لاواعي” نضعه لأنفسنا على سبيل المثال، وأن “الهندسة الداخلية” ليست مجرد اسم لكتابه، لكنها أيضًا لقب لبرنامج اليوجا الرئيسي في مؤسسته.
ساعد نشاط فاسوديف على وسائل الإعلام في نمو شعبيته، طبقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الهندية نيوزلاوندري – (Newslaundry)، وسرعان ما انتقل من نشر مقالة روحية في إحدى مجلات التاميل إلى إطلاق مجلته الخاصة، ثم استضافة مشاهير في برنامج حواري مدته نصف ساعة في مركز الأشرم، تطور البرنامج إلى إنتاج داخلي لمؤسسة إيشا؛ حيث زادت شهرة ضيوفها من شهرة فاسوديف، وكان من بينهم الصحفية برخا دوت والمخرج شيخار كابور.
وفي الوقت ذاته عمل ظهوره في الخارج على زيادة شهرته خارج الهند؛ حيث ألقى كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للزعماء الدينيين والروحيين عام 2000م، وعقد لقاءات حول الروابط بين الروحانيات والاقتصاد في دافوس في عام 2006م الذي بحلوله كانت مؤسسة إيشا قد أنشأت فرعًا في أمريكا الشمالية يقع مقره في ولاية تينيسي، وبعد اثني عشر عامًا منحته جامعة لويولا ماريماونت جائزة لكونه حلقة وصل/ “باني جسور” بين الثقافات.
فُتن المعجبون بهذا المعلم اللبق، المدهش، متحدث الإنجليزية، راكب الدراجة النارية؛ حيث يفيض خطابه بروح العصر الثقافي، أحاطت أيضًا الخلافات ونظريات المؤامرة بفاسوديف، لكن متطوّع إيشا الذي رد على أسئلة (Vox) والمتعلقة ببعض الادعاءات نفاها أو اعترض عليها جميعا.
ومن بين الاتهامات التي وُجهت إليه أن أسلوبه في اليوجا “مأخوذ” من معلمه ريشي برابهاكار، وأن وفاة زوجته فيجي عام 1997م كان مشبوهًا، حتى أن أباها قدّم شكوى إلى الشرطة للتحقيق فيما إذا كانت قد قُتلت بالسّم، لكن الشكوى أشارت إلى تأكيد طبيب معتمد أن فيجي ماتت بسبب نوبة قلبية، ويصرّ فاسوديف على أن سبب موتها هو “ماهاسامادي”، وهي حالة يوجا يختار فيها المرء أن يغادر جسده.
كما يتهم النقاد فاسوديف بكراهية النساء، لبعض تعليقاته على أدوار الجنسين، مثل قوله إن النساء “للأسف” يحاولن أن يتشبهن بالرجال باسم النسوية، ولترويجه للعلوم الزائفة والخرافات. وقوله إن المهرجان الهندوسي لم يكن دينيًا، لكنه تزامن مع “المرحلة الفلكية للكوكب”، وهذا أثار غضب الجمعية الفلكية الهندية التي صرحت بأن هذا لم يحدث، وحذرت متابعيها على تويتر من تصديق علوم فاسوديف الزائفة.
وكباقي الحركات الدينية الجديدة، من بينها التعليم الروحاني، يزعم بعض الآباء أن أبناءهم قد جرى “غسيل دماغهم”، وأن مؤسسة إيشا قد “أسرتهم” وبدورها مؤسسة إيشا أنكرت هذه الاتهامات.
أثارت مساحة حرم المؤسسة الشكوك؛ حيث تبلغ 150 فدانًا، وتضم عشرات المباني والبحيرات الصناعية على سفوح تلال فيليانجيري في ولاية تاميل نادو، ويبدو أن فاسوديف مهتم بشدة بالحفاظ على التربة والبيئة، لكن تحقيق (Newslaundry 2021) يزعم أنه شيّد مؤسسته في غابة محمية بيئيًا، حيث يقال إن وفود أتباعه أجبر الأفيال المحليين على تغيير مسارات هجرتهم.
وعلى الرغم من الرقابة القانونية والمعارك القضائية التي فرضها النشطاء ودعاة حماية البيئة على مؤسسة إيشا عام 2017م، افتتح رئيس الوزراء الهندي مودي تمثالًا لشيفا يبلغ ارتفاعه 120 قدمًا في المؤسسة، وبحلول عام 2020م، أشارت السجلات إلى أن سلطات الغابة، التي أقرت سابقًا بأن الصراع بين الإنسان والحيوان إنما هو بسبب التشييد غير القانوني، إذا بها تغيّر وصفها للمنطقة، بحيث لم تعد من الأراضي المحمية بعد، وبالتالي ما كان غير قانوني أصبح قانونيًا لفاسوديف.
يقول براتيك جويال الذي نقل تحقيق (Newslaundry): لا يبدو الوضع “طبيعيًا ولا غير طبيعي” لشيوع مثل هذا الفساد في الهند، وما يستحق إدانة أشد هو أن تمويل المؤسسة أشبه باللغز. وطِبقًا لمقال نُشر مؤخرًا في (Vice)، تشير السجلات الهندية أنه بين عامي: 2015-2018م، استقبل “تعليم إيشا” 1.74 مليون دولار من وزارة التعليم في ولاية تاميل نادو؛ ومن عام 2014 إلى عام 2017م استقبلت “توعية إيشا” ما يربو على 38000 دولار من وزارة الزراعة في تاميل نادو، و 16000دولار من اليونيسيف بين عامي 2016-2018م.
يقول متطوع إيشا الذي أجاب على أسئلة (Vox): إن جزءًا كبيرًا من عائدات المؤسسة هو من “التبرعات البسيطة التي يدفعها كثير من المستفيدين من البرامج”؛ لكن يزعم بعض من يشترون الخلوات الروحية وبرامج اليوجا، حسب تجربتهم، أن مؤسسة إيشا تحاول أن تعطيهم إيصالات باسم “التبرعات” للتهرب من الضرائب؛ إلا أن المؤسسة تنفي ذلك بالإضافة إلى الادعاءات الأخرى التي تصفها بأنها افتراءات بسبب “الأخبار المزيفة ووسائل الإعلام المدفوعة ووسائل التواصل الاجتماعي”.
بلغت عائدات مؤسسة إيشا غير الربحية في الولايات المتحدة 25.4 مليون دولار عام 2019م، ولا توجد سجلات ضريبية لعامي 2020 و2021 متاحة للعامة، وقال متطوع إيشا ردًا على الأسئلة حول السجلات الضريبية المفقودة والهيكل المالي والعائدات لمؤسسة إيشا في الولايات المتحدة: “لم أتلقَّ هذه المعلومات منذ أُسند التعامل معها إلى فريق آخر في المنظمة، لكن ما يمكنني قوله هو أن مركز الولايات المتحدة (معهد إيشا للعلوم الداخلية) أُغلق أثناء الجائحة بسبب إجراءات الصحة والسلامة التي اتخذتها المؤسسة.”
من مصادر النزاع أيضًا مبادرات فاسوديف البيئية، بما في ذلك حركته الحالية لجذب الانتباه لتدهور التربة تحت شعار “أنقذوا التربة”؛ نظّم حملة لإنقاذ نهر كافيري (Kaveri / Cauvery) الذي يبلغ طوله 500 ميل، ويصل بين ولايتَي كارناتاكا وتاميل نادو بجنوب الهند، وهو مصدر للنزاعات المتكررة بشأن المياه.
انتقد العلماء والجماعات البيئية في الهند الحملةَ لضبابيّتها وسذاجتها؛ حيث ركزت على زراعة الأشجار، ولم تعالج الأسباب الجذرية لتدهور النهر، كما يجادل بعض العلماء بأن زراعة الأشجار ستؤدي إلى تفاقم الوضع؛ لأن بعض الأشجار تحتاج لامتصاص كميات هائلة من المياه، وأيّد ليوناردو دي كابريو الحملةَ في إحدى مراحلها، مما دفع أكثر من 90 من جماعات البيئة والحقوق لتنبيهه في خطاب مفتوح لافتقار دعمه إلى الحكمة.
انتقادٌ آخر يحوم حول حركة فاسوديف حيث يعلق براكاش كاشوان، أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة كونيتيكت ومهتم بالسياسة والبيئة، بتعليق يرقى إلى فرصة لالتقاط صور للمشاهير منفصلة عن واقع تنفيذ السياسة على أرض الواقع فيقول: “إنّك نوعًا ما تغضّ الطرف عما يلزم للوائح البيئية في الظروف الحالية، خاصة في المجتمعات الكبيرة والمعقدة مثل الهند والعديد من دول الجنوب الأخرى، ولا يدرك ذلك كثير من الناس؛ لأن الافتراض الأساسي هو أن الجهل سبب تدمير البيئة، لكن ليست المشكلة في الجهل”.
ربما أكثر ما يربك النقاد بشأن فاسوديف هو سياسته. يتهمه البعض بأنه داعية إلى “هندوتفا الناعمة” -الأيديولوجية التي تقوم عليها القومية الهندوسية-، وبأنه “النصير السياسي الروحي” للحزب القومي الهندوسي الحاكم في الهند، حزب بهاراتيا جاناتا؛ تنشر مؤسسة إيشا بانتظام محتوى لمواجهة هذه الشكوك، بما في ذلك مقاطع فيديو، مثل “هل يدعم سادجورو حزب بهاراتيا جاناتا؟”، “أنا يساري أكثر مما تظن.”
في حين أن فاسوديف يصر على أنه ليس مناصرًا لأي قائد أو حزب سياسي، نجده يشيد بأخلاقيات عمل مودي، ويقول إنه يدعم الحزب الحاكم للهند ما دامت السلطة في يده، كما أيّد عددًا من مبادرات حزب بهاراتيا جاناتا، بما فيها انتزاع مودي استقلاليةَ كشمير عام 2019م، بل ألحّ على فعل ذلك قبل أشهر من حدوثه، كما أيّد قانون تعديل المواطنة، الذي استثني المسلمين اللاجئين في الهند من المسار السريع للحصول على الجنسية، وعندما كان مئات الآلاف من الهنود يحتجّون على هذا القانون، غرّد مودي بدعم سادجورو، الذي اعترف بأنه أقرّه دون قراءته حتى.
يتمثل التحالف الاستراتيجي بين المعلمين الروحانيين والسياسيين في تصرفات عديدة بدءًا من تمنّي بعضهم لبعض عيدَ ميلاد سعيد على تويتر، إلى الظهور سويًا في الصور، وإشادة كل منهم بعمل الآخر. كما احتفى فاسوديف بدعم القائد القومي الهندوسي المتعصب يوغي أديتياناث الذي أشاد بحركته للحفاظ على التربة.
وعلى غرار خطابات القوميين، يرفض فاسوديف كذلك مفهوم “الهندوسية”، ويستخدم كلمة هندوتفا بدلًا منها، قد يكون تحريضه على الهندوسية إشارة إلى انعدام الأمن الهندوسي؛ فعندما سُئل -على سبيل المثال- عن رأيه في مؤتمر الخريف الماضي بشأن تفكيك الهندوتفا العاملة / العالمية الذي أثار غضب اليمين الهندوسي، سخر سادجورو من قلق الناس حيال ما يختص به أساتذة الجامعات الأمريكية، وجادل بأن عليهم أن يهتموا بكيفية “تفكك الهندوتفا” في مدنهم وقراهم في الهند، وأضاف، إن عمل الهندوس بالقضاء على التمييز بناءً على أساس الطائفة أو العقيدة، سيجذب أناس أكثر إلى الإطار الهندوسي، ولن يتفكك أبدًا.
ومع ذلك؛ مقارنة بالشخصيات المعاصرة الأخرى الذين يتظاهرون بأنهم قادة روحانيين -بما فيهم المتّهمين بالاغتصاب والقتل، والذين اكتُشف عند وفاتهم أنهم يكنزون الذهب والفضة والأموال، والذين يبدو أن رأس مالهم الروحي لا ينفصم عن القومية الهندوسية- قد يكون فساد فاسوديف أقل نسبيًا بصفته معلمًا روحانيًا عالميًا يغض متابعوه من هوليوود الطرْف عن هذه الخلافات المثارة حوله والسياسة، يستفيد فاسوديف من طريقة دعمهم له بحثًا عن مأوى روحي، كما جعله ظهوره في وقت هيمنة الولايات المتحدة مألوفًا ليحظى بالقبول، لكنه مختلفًا بما يكفي ليصير جذابًا؛ ومع ذلك، فقدرته على التظاهر بشخصيات مختلفة -بما في ذلك ما يمكن القول بأنه مستشرق ذاتيًا- تنبئ عن الطريقة التي يودّ الغربيون إدراك الروحانية بها.
يقول ديسليبي: “من اللافت للنظر أن نفس النوع من الشخصية ما زال يجذب الجمهور الأمريكي بالطريقة التي استُخدمت لأكثر من مئة عام، إن الرجل الهندي الذي يغطي رأسه ويرتدي ملابس منسدلة هو وعاء الحكمة الخالدة، وما زال ينجح، هذا مذهل.”
يقول براناي سوماياجولا المتحدث باسم المنظمة الهندوسية التقدمية لحقوق الإنسان: “حتى إن كان فاسوديف يستخدم نفس أساليب المعلمين الروحانيين الروتينية، فمن الحكمة أن نحقق في الخطوط الفاصلة بين الرجل والأسطورة، بدلًا من الترحيب الأعمى بسادجورو أو أي معلم روحاني.” ويضيف “نحن لا نملك السيطرة على حقيقة حُب الغرب لهذه الصورة الاستشراقية الرومانسية للروحانية الهندية، أيًا كان ما يعنيه هذا؛ لكن ما يمكننا التحكم فيه هو نوع الأصوات والروايات التي نرفع من شأنها عندما تلبي ذلك وسائل الإعلام.”
يبدو أن فاسوديف يخطط للبقاء على الساحة العامة، بحسب تعبير المتطوع “سادجورو لا يتوقف أبدًا، إنه يمضي قدمًا بأحسن الطرق”. وكذلك نحن سنعلم المزيد عنه -يروّج لإجراءات بيئية مشكوك فيها في برامج البودكاست والتلفزيون، ويتحدث عن الاعتماد على الذات في المؤتمرات والقمم وأسابيع الموضة، ويظهر في حلقات النقاش وعلى السجاد الأحمر- حيث ترحب به الدوائر العالمية وتقبله كمعلم روحاني.
[1] السنسكريتية: هي لغة هندية قديمة لها ارتباط بالطقوس الهندوسية والبوذية.