- تأليف : البراء بن محمد
- تحرير : عبدالرحمن ربعين
مقدمة:
يمثل الإمام موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة رمزًا هامًا لعلماء أهل السنة والحنابلة على وجه الخصوص، وهو ذو حضور بارز في السجال العقدي بين الحنابلة والأشعرية وبالأخص مسألة القرآن وكلام الله حيث كتب فيها عددًا من الرسائل ليحاجج فيها الأشعرية. وقد استهدف منهم من يغالون في بدعة الكلام النفسي فيقولون أن نظم القرآن العربي من جبريل عليه السلام، أو يقولون أن الله خلق الكلام في اللوح المحفوظ ثم تلقفه جبريل عليه السلام ليوحي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد صنف ابن قدامة عقيدة وجيزة سماها (لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد) وهي تتضمن جملة من مسائل التوحيد والصفات والإيمان والقرآن والسمعيات وقد ذكر أحد المعاصرين -وهو يوسف الغفيص- في شرحه لهذه العقيدة أنها أشرف في الجملة من عقيدة الطحاوي لأنها لم تشتمل على غلط صريح، في حين أن عقيدة الطحاوي فيها الغلط المعروف في مسألة الإيمان.
وقد تتابع المعاصرون شرحًا وتعليقًا على لمعة ابن قدامة، لأنها عقيدة سنية في المجمل مشحونة بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية التي استدل بها السلف الكرام في تأسيس العقيدة الصحيحة التي توافق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن لما ألفت هذه العقيدة على وجه الإجمال والاختصار، كان فيها بعض الحروف التي لا تتسق مع صريح معتقد السلف، وهي مما أشكلت على شراح اللمعة فتفرقوا فيها مذاهب مختلفة. وقد استعرض أحد شراحها -وهو أحمد الحازمي- جانبًا من هذا الخلاف التفسيري لإحدى أهم حروف الإمام ابن قدامة في لمعته وهي مفتاح لفهم غيرها من نصوص الإمام بالإضافة إلى أنها مفترق طرق بين الإثبات السلفي للصفات أو التفويض الخلفي البدعي. وقد ذهب المعاصرون إلى ثلاث مذاهب في فهم عبارة ابن قدامة، إما التسليم بصحتها وأنها لا تدل على معتقد التفويض المذموم، أو تخطئتها مع عدم وصف الإمام بالمفوض، أو تخطئتها مع الإقرار بتفويضه.
ولأن هذا الخلاف يمتد إلى تحرير معتقد ابن قدامة، فقد استحسنت أن أدرس عبارة اللمعة بالإضافة إلى بقية النصوص المبثوثة في كتب الإمام، وأبين أنه واقع في بدعة التفويض وأن نفي التفويض عنه تكلف وتأويل بعيد.
وتكمن أهمية موضوع هذا المقال في تحرير مذهب إمام ذي مكانة معروفة في التاريخ العقدي، بالإضافة إلى إزالة اللبس الذي يحصل أحيانًا بين التفويض المحمود (تفويض كيفيات الصفات) والتفويض المذموم (تفويض معاني نصوص الصفات) وهو مما يساهم في قطع صلة المفوضة بالسلف الأوائل ومن جاء بعدهم اعتمادًا على عبارات مجملة، كما أن بحث هذه المسألة بتجرد وموضوعية فيه تصحيح لما وقع فيه بعض المعاصرين من خلط في التحرير والتحقيق.
والحق أن نفي تفويض ابن قدامة يقتضي نفي وصف التفويض عن غيره من العلماء، وهو يعين المفوضة على الاعتزاء إلى السلف بالاستدلال بالمتشابه من كلامهم وحمله على المعنى الباطل للتفويض.
تعريف التفويض:
قال اللقاني في جوهرة التوحيد:
“وكل نصٍ أوهم التشبيها *** أولّه أو فوض ورم تنزيها”
وشرح قوله هذا فقال: “تقدم أنه سبحانه وجبت عقلًا وسمعًا مخالفته للحوادث، فمتى ورد في الكتاب أو السنة ظاهر يوهم خلاف ما وجب له تعالى أو جاز في حقه – بأن يدل على المعنى المستحيل عليه تعالى – وجب علينا شرعًا تنزيهه تعالى عما دل عليه ذلك الظاهر اتفاقًا من أهل الحق وغيرهم” ثم قال بعده بقليل: “وإنما اختلفوا: هل يؤول ذلك الظاهر تأويلًا تفصيليًا، أو يؤول تأويلًا إجماليًا؟!” “وذهب إلى الثاني: ((السلف)) ويعبر عنهم بالمفوضة، وإليه أشار بقوله: (أو فوِّض ورم) أي اقصد (تنزيهًا) له تعالى عما لا يليق به، فينزهونه سبحانه عما يوهمه ذلك الظاهر من المعنى المحال، ويفوضون علم حقيقته على التفصيل إليه تعالى إيثارًا للطريق الأسلم” .
قال الجويني في النظامية: “وقد اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة . وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها. وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها ، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب ، وما يصح من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل ، وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى” وقال في موضع آخر: “فحق على ذي دين : أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين ، ولا يخوض في تأويل المشكلات ، ويكل معناها إلى الرب تعالى”
وقال الغزالي: “وما أراده فلسنا نعرفه وليس علينا ولا عليك أيها السائل معرفته فكذلك نقول ولا يجوز إثبات اليد والإصبع مطلقاً…”
وقال الرازي: “أما جمهور الموحدين فلهم في لفظ اليد قولان :
الأول : قول من يقول : القرآن لما دل على إثبات اليد لله تعالى آمنا* به ، والعقل لما دل على أنه يمتنع أن تكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص وعضو مركب من الأجزاء والأبعاض آمنا به ، فأما أن اليد ما هي وما حقيقتها فقد فوضنا معرفتها إلى الله تعالى ، وهذا هو طريقة السلف.”
فالتفويض إذن تأويل إجمالي للنص الشرعي، وهو صرف له عن ظاهره من غير تحديد معنى مراد ومع الجزم بأن المعنى المفهوم من ظاهره باطل لا تصح نسبته لله عز وجل. والفرق بينه وبين التأويل التفصيلي هو تعيين المعنى المراد وأنه معنى مفهوم يمكن إدراكه.
هذا وقد سلك بعض المفوضة مسلكًا آخر وهو التمسك بألفاظ نصوص الصفات والالتزام بإعمال ظواهرها مع القطع بأنها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله. وقد قال أبو يعلى عن أخبار الصفات: “والواجب حملها على ظواهرها” ، ثم قال بعد بضع صفحات: “فصل في الدلالة على أنه لا يجوز الاشتغال بتأويلها ولا تفسيرها من وجوه أحدها: أن آي الكتاب قسمان: أحدهما محكم تأويله تنزيله يفهم المراد منه بظاهره. وقسم هو متشابه لا يعلم تأويله إلا الله ولا يوقف على معناه بلغة العرب” . وظاهر من كلام أبي يعلى أنه يجعل نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وإلا لما حرم الاشتغال بتأويلها. وهو تناقض ظاهر عابه ابن الجوزي عليه وعلى غيره من الحنابلة حيث قال: “الثاني أنهم قالوا هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ثم قالوا نحملها على ظواهرها ، فواعجباً ما لا يعلمه إلا الله تعالى أي ظاهر له” .
ولأبي يعلى كلام أصرح من هذا في عد آي الصفات من المتشابهات حيث قال: “يجوز أن يرد القرآن بآيات متشابهة، يدل ظاهرها على التشبيه” . ومن العجيب أن يتصدى أبو يعلى لمتأولة نصوص الصفات لأنهم صرفوها عن ظواهرها في حين أنه يسلك مسلكهم حين ينفي حقائقها كما يعلق مثلًا على قول أم سلمة المشهور عن الاستواء: “فقد صرحت بالقول بالاستواء غير معقول وهذا يمنع تأويله على العلو!! [كذا في الأصل] وعلى الاستيلاء” . فجعل ظاهر نص الاستواء وهو العلو ممتنعًا كالتأويل الذي هو الصرف عن الظاهر.
وموقف التفويض مباين لموقف السلف من نصوص الصفات سواء أجرى أصحابه النصوص على ظواهرها أو منعوا إعمال الظواهر. لأن السلف لم يعدوا نصوص الصفات متشابهة لا يعلم معناها إلا الله، بل هم يقرون بأن حقائق الصفات وكيفياتها لا يعلمها إلا الله، وإنما يمكن العلم بمعانيها باللغة التي نزل بها القرآن.
قال ابن قتيبة: “فإنا لم نر المفسرين توقفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمروه كله على التفسير” .
ولازم مذهب التفويض هو أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بألفاظ لا يعقل معناها، وأن الصحابة رضي الله عنهم نقلوا هذه الألفاظ معرضين عن تدبر معانيها، والعلم بها.
يبين ذلك ابن قتيبة بقوله: “ولم ينزل الله شيئًا من القرآن إلا لينفع به عباده، ويدل به على معنى أراده . فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال، وتعلق علينا بعلة. وهل يجوز لأحد أن يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن يعرف المتشابه؟” .
هذا وقد تعقب أبو يعلى ابن قتيبة، وزعم أن قوله مخالف لإجماع الصحابة، وأن ورود المتشابه الذي لا يعلمه سوى الله في القرآن فيه فائدة اختبار إيمان المكلف حتى وإن كان هذا المتشابه مثل مخاطبة العربي بالزنجية .
لكن تعقب أبي يعلى لا يحل الإشكال الحقيقي الوارد عليه وهو كيف يجيئ النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ لا يستطيع إدراك معانيها رغم وجوب الإيمان بها؟ بل الحق أن قول أبي يعلى وأمثاله من المفوضة هو من أعظم الطعن بالنصوص الشرعية لأنه يعني أنها نصوص لا يُفقه معناها، ولا تورث علمًا لمن يتدبرها. ولذلك وصف ابن تيمية قوله وقول أكابر المفوضة بأنه من “شر أقوال أهل البدع والإلحاد” .
فيتبين بذلك كله أن التفويض هو تعطيل للنص عن ظاهره المراد والجزم بأنه لا يعلم معناه إلا الله، مع إجراء النص على ظاهره أو القول بأن ظاهره غير مراد. أو بعبارة أخرى التفويض هو الزعم بأن نصًا من نصوص الصفات من النصوص المتشابهة التي لا يعلم معناها إلا الله كما في آية آل عمران الشهيرة .
نص ابن قدامة في اللمعة:
“وكل ما جاء في القرآن ، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن ، وجب الإيمان به ، وتلقيه بالتسليم والقبول ، وترك التعرض له بالرد والتأويل ، والتشبيه والتمثيل . وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً ، وترك التعرض لمعناه ، ونرد علمه إلى قائله ، ونجعل عهدته على ناقله ، اتباعاً لطريق الراسخين في العلم ، الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى: ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) ” .
تحليل النص السابق:
كلام ابن قدامة مشكل على من يثبت الصفات الإلهية بظاهر النصوص الشرعية، لأنه يشعر أن من النصوص الشرعية ما ينغلق فهمه وإدراكه على المكلف فيصير إلى الإيمان بألفاظها مع تفويض العلم بها إلى الله سبحانه وتعالى. واستدلاله بآية آل عمران هو من جملة استدلالات المفوضة على أن إدراك معاني نصوص الصفات متعذر. لكنه يستدل بعد ذلك بقول للإمام أحمد وفيه نفي للكيف والمعنى، ومن المعلوم أن أحمد بن حنبل ليس مفوضًا. وهذا يستدعي مزيدًا من التأمل في سياق كلام ابن قدامة ودلالته.
كيف تعامل شراح اللمعة مع هذا النص؟
ذهب بعض المعاصرين كمحمد بن إبراهيم آل الشيخ إلى أن قول ابن قدامة السالف من جنس قول المفوضة وإن كان لا ينسبه إليهم بينما غلطه آخرون كصالح الفوزان وزيد المدخلي ، فيما أقر بعضهم كصالح آل الشيخ وعبدالرحمن البراك بأن النص يوهم التفويض المذموم وإن جوزوا إمكان حمله على معنى صحيح. وذهب ابن جبرين إلى تصحيح عبارة الموفق بحمل المعنى المتروك على الكيفية . أما عبدالرحمن المحمود فقد استفصل من عبارة ابن قدامة ويظهر أنه يميل إلى إمكان حملها على محمل صحيح . وقد سئل عبدالرزاق عفيفي عن بعض عبارات ابن قدامة في لمعته التي توهم بالتفويض، فأقر أنه مفوض وأنه قد غلط في ذلك . فيما ذهب يوسف الغفيص إلى نفي وصف ابن قدامة بالتفويض، وأبطل دلالة كلامه على تفويض الصفات، بل استدل به على أن غالب أدلة الصفات عنده غير مشكلة . أما أحمد الحازمي فهو أوسع من تناول الإشكال الوارد على قول ابن قدامة، وقد وصفه بالمفوض، وناقش استدلالات المانعين . ويقابله تميم القاضي على النقيض من ذلك إذ ينتصر لنفي وصف ابن قدامة بالتفويض في بحث نشره على موقعه .
وخلاصة مواقف المعاصرين من عبارة ابن قدامة هي إما تخطئتها أو تصويبها؛ ثم من يخطئها إما أن يصف صاحبها بالتفويض أو يمنع ذلك، والمصوب إما أن يستشكل ظاهرها ويرجح خلافه، أو يحملها على محمل صحيح بلا استشكال.
هل ابن قدامة مفوض؟
ظاهر كلام ابن قدامة هو أن من أخبار الصفات في القرآن والسنة قدرٌ مشكلٌ يجب الإيمان بألفاظه الواردة مع عدم التعرض لمعانيه، ويجب رد علمها إلى الله سبحانه وتعالى. لكن إيراد ابن قدامة للنقل عن أحمد بن حنبل يشعر بأنه ينحو منحاه في أخبار الصفات، وهذا هو ما جعل العديد من المعاصرين يؤولون عبارة ابن قدامة ويحملونها على خلاف التفويض. كما أنه قد أورد في رسالته ما ينفي تأويل الظواهر -وهذا خلاف مذهب المفوضة- حيث قال: “ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره” . والحق أن نفي تأويل الظاهر وحده لا يكفي لنفي التفويض، وإلا فإن أبا يعلى -كما هو معلوم- ينفي التأويل رغم تفويضه. ولذلك فلمعة الاعتقاد لا تكفي لوحدها لوصف معتقد ابن قدامة بشأن التفويض، لإجمال نصوصها، ولأنها محتملة. فوجب البحث عن نصوص أخرى له بشأن التفويض.
النصوص الأخرى:
قال ابن قدامة في روضة الناظر: “والصحيح: أن المتشابه: ما ورد في صفات الله -سبحانه- مما يجب الإيمان به، ويحرم التعرض لتأويله، كقوله -تعالى-: ((الرحمن على العرش استوى))، ((بل يداه مبسوطتان))، ((لما خلقت بيدي))، ((ويبقى وجه ربك))، ((تجري بأعيننا))، ونحوه.
فهذا اتفق السلف -رحمهم الله- على الإقرار به، وإمراره على وجهه، وترك تأويله.” . وقد قال ابن قدامة في الصفحة التي تليها “ولأن في الآية قرائن تدل على أن الله -سبحانه- منفرد بعلم تأويل المتشابه”. بل إنه أورد على نفسه استشكالًا وأجاب عنه فقال: “فإن قيل: فكيف يخاطب الله الخلق بما لا يعقلونه، أم كيف ينزل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟
قلنا: يجوز أن يكلفهم الإيمان بما لا يطلعون على تأويله؛ ليختبر طاعتهم، كما قال – تعالى -: ((ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين))، ((وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم …)) الآية، ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس…)).
وكما اختبرهم بالإيمان الحروف المقطعة مع أنه لا يعلم معناها.”
وقد قال نظيره في ذم التأويل: “فثبت بما ذكرناه من الوجوه أن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ، وأن متبعه من أهل الزيغ وأنه محرم على كل أحد ، ويلزم من هذا أن يكون المتشابه هو ما يتعلق بصفات الله تعالى وما أشبهه دون ما قيل فيه أنه المجمل أو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين أو الحروف المقطعة ، لأن بعض ذلك معلوم لبعض العلماء وبعضه قد تكلم ابن العباس وغيره في تأويله فلم يجز أن يحمل عليه ، والله أعلم .” .
وقال في مصنف آخر: “على أن معتمدنا في صفات الله تعالى إنما هو الاتباع نصف الله تعالى، بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، ولا نتعدى ذلك، ولا نتجاوزه، ولا نتأوله، ولا نفسره، ونعلم أن ما قال الله ورسوله حق وصدق ولا نشك فيه ولا نرتاب، ونعلم أن لما قال الله ورسوله معنى هو به عالم فنؤمن به بالمعنى الذي أراده، ونكل علمه إليه”.
وقال في غيره: “فإنه لا حاجة لنا إلى علم معنى ما أراد الله تعالى من صفاته جل وعز، فإنه لا يراد منها عمل ولا يتعلق بها تكليف سوى الإيمان بها. ويمكن الإيمان بها من غير علم معناها. فإن الإيمان بالجهل صحيح” . وهذا القول صريح منه في التفويض المذموم البدعي، إذ أنه ينفي مجرد الحاجة إلى العلم بمراد الله من الصفات، وينفي ثمرة العلم بذلك. وهذه زلة شنعاء. غفر الله لنا وله.
وقال أيضًا: “وأما إيماننا بالآيات وأخبار الصفات فإنما هو إيمان بمجرد الألفاظ التي لا شك في صحتها ولا ريب في صدقها، وقائلها أعلم بمعناها، فآمنا بها على المعنى الذي أراد ربنا تبارك وتعالى” .
جميع هذه النصوص تشير إلى أن ابن قدامة مفوض تفويضًا مذمومًا. فجعل نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله، ونفي الحاجة إلى العلم بمراد الله من أخبار الصفات، والإيمان بمجرد ألفاظ النصوص مع التسليم بأنه لا يعلم معناها إلا الله وحده = كل واحد من ذلك يمثل حقيقة قول التفويض المذموم. فكيف إن اجتمع ذلك كله في كلام أحدهم؟
ولا يعارض ما تقدم أن ابن قدامة يوجب الالتزام بظواهر أخبار الصفات، فقد سبقه أبو يعلى إلى ذلك رغم أنه مفوض. وهذا تناقض ظاهر، إذ لا يتسق نقض التأويل التفصيلي مع قبول التأويل الإجمالي. والمعاصرون إجمالًا لا ينسبون ابن قدامة إلى التفويض لأنه منسوب إلى السنة، كما أن ابن تيمية وابن القيم قد أثنيا عليه مرارًا، وعلى معتقده أيضًا. بالإضافة إلى بعده عن التأثر بالطريقة الكلامية في تقرير العقائد على خلاف بعض من سبقه من الحنابلة كابن عقيل وابن الجوزي وأبي يعلى. كما أنه يثبت العلو والحرف والصوت بظواهر النصوص. وكل هذه القرائن ترجح عند المعاصرين أن ابن قدامة ليس من أهل التفويض.
وأبرز المعاصرين مناقشة لمن ينسب ابن قدامة إلى التفويض هو تميم القاضي حيث نشر ورقة مطولة في نفي هذه “التهمة” عنه، ولا يسعني في خضم تحرير موقف المعاصرين من تفويض ابن قدامة أن أتجاهل هذه الورقة. وقد أحال إليها محمد آل خضير صاحب كتاب (مقالة التفويض) ، وأورد نص الروضة الآنف. ولأن ورقة القاضي من أوسع الأدبيات التي تناولت تفويض ابن قدامة، فقد لزم النظر فيها، والرد على ما تضمنته من حجج. وكذلك ما زاده آل خضير في كتابه.
ملخص رسالة تميم القاضي:
ابتدأ القاضي رسالته بثلاث مقامات، فالأول: مقدمة نافعة حول ما يظهر من تعارض في كلام الله وما يظهر من تعارض في كلام العلماء، وأن كلام الله محفوظ عن التعارض وأنه لا يقع فيه أبدًا، بخلاف كلام العلماء. والثاني: أربعة ضوابط لفهم المشكل من كلام العلماء وهي: النظر في القرائن المتصلة والمنفصلة، ومراعاة مذهب العالم، ومراعاة اختلاف معنى المصطلح باختلاف الزمان والقائلين. والمقام الأخير: في نفي (المعنى) حيث بيّن أن نفي المعنى يقع على أربعة معانٍ وهي: نفي معنى النص مطلقًا سواء كان ظاهرًا أو مؤولًا، ونفي المعنى المؤول الذي يخالف ظاهر النص، ونفي الكيفية لأن إدراكها يؤدي لإدراك المعنى تامًا، والمعنى الأخير لنفي المعنى هو تعذر إدراك معنًى ما على عالمٍ من العلماء، وهي حالة خاصة لا يصح تعميمها. ونفي المعنى بالاعتبار الأول باطل لأنه حقيقة التفويض المذموم، والاعتباران الثاني والثالث واردان عن السلف، والرابع صحيح بقيوده.
ولما فرغ القاضي من تسويد هذه المقامات الثلاث، بنى دراسته لكلام الموفق عليها، فزعم أن كلام ابن قدامة لا يدل على تفويضه بالنظر إلى قرائنه المتصلة والمنفصلة ومذهبه واختلاف مقصده من لفظة المعنى. ولم يكتف بما سبق، بل أضاف إلى ذلك إشكالًا من كلام ابن قدامة، وحله، واختتم دراسته بأن ابن قدامة بريء من التفويض.
الرد على تميم القاضي:
قرر القاضي قواعد نافعة في حل ما أشكل من كلام العلماء، ولأنني أزعم أن تطبيق قواعده بمنهجية صارمة يؤدي إلى نقيض ما وصل إليه، فإنني سأقلب استدلالاته عليه بعون الله تعالى.
النظر في القرائن المتصلة:
رجح القاضي أن مدلول ابن قدامة من نفي المعنى هو نفي العلم بالكيفية لأنه استشهد بقول الشافعي “آمنت بالله وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله” وقول مالك: “الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة” . وزاد عليها باستدلاله بقول ابن قدامة: “ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره” . فكيف يصح القول بأن ابن قدامة مفوض رغم أنه ينفي التأويل المخالف للظاهر مما يقتضي إثباته للمعنى الظاهر من النص؟ أو كما قال هو بنفسه: “إن مفهوم المخالفة من كلامه يقتضي الإثبات والإقرار للتأويل الذي يوافق ظاهر النص ولا يخالفه” . ثم إن استشهاده بكلام الشافعي دال على أن لله مرادًا من النص يجب الإيمان به بخلاف من آمن بغير مراده. وكذلك استشهاده بكلام مالك وهو صريح في أن للاستواء معنى معلومًا وهذا يناقض مذهب المفوضة.
الرد:
للمفوض أن يقول بنفس كلام الشافعي دون أن يتضمن ذلك تناقضًا منه، فالمفوض يؤمن بأن لله مرادًا من النصوص ولكن يتعذر إدراكه، وهو يتفق مع مثبت دلالة هذه النصوص على الإيمان بالنصوص. واستدلال ابن قدامة بآية آل عمران في مورد الحديث عن صفات الرحمن عز وجل قرينة متصلة قوية على تفويضه، كذلك إطلاقه أن من نصوص الصفات ما يشكل فهمه بحيث يجب الإعراض عن التعرض لفهمه أو تأويله. وهذه القرائن تعدل قرينة استشهاد ابن قدامة بأثر مالك، فتكافأت القرائن المتصلة في أحسن الأحوال، هذا إن لم نقل أن ابن قدامة قد تعجل أو أخطأ أو تناقض في إيراد الآثار والاستنباط منها.
هذا مع التنبيه إلى أن بعض المفوضين كأبي يعلى يلتزمون الإجراء على ظواهر النصوص رغم تفويضهم لها، فلا يصح نفي تفويضهم لمجرد قولهم بوجوب إجراء النصوص على ظواهرها، وإلا فقد وجب نفي وجود التفويض المذموم.
بعبارة أخرى، لا يصح الاكتفاء بنص عالم على وجوب إجراء النصوص على ظواهرها لنفي التفويض عنه.
النظر في القرائن المنفصلة:
ذكر القاضي أنه رجع إلى عامة ما كتبه ابن قدامة حول الصفات، ولكنه أغفل ذكر الروضة، وفيها نصه الذي ينص فيه صراحة على أن آي الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله. كما أنه لم ينقل شيئًا من النصوص السابقة التي فيها صريح تفويض ابن قدامة، ولكل هذا أثره على بناء المقال ونتيجته النهائية.
وقد قسم كلام ابن قدامة إلى تأصيلي وتطبيقي، فالتأصيلي الذي يوافق معتقد أهل السنة فيه ينقسم إلى وجوب إجراء النصوص على ظواهرها، وإثبات القدر المشترك. والتطبيقي فيه جري على قواعد أهل السنة في إثبات الصفات ولوازمها، فيبين معانيها الحقة وينفي معانيها الباطلة .
وقد مثل القاضي لكلام ابن قدامة التطبيقي بإثباته معنى الكلام ولازمه وهو الصوت المسموع، وكذلك تصريحه بإثبات العلو حقيقة. هذه أدلة عند القاضي على أن ابن قدامة ليس من جملة المفوضين، وأن نفيه للمعنى إنما هو نفي للعلم بكيفيات الصفات لا نفي للمعنى الظاهر. ولم يكتف القاضي بهذه الأدلة، بل زاد عليها أن ابن قدامة نفى تأويل اليد بالقدرة والسمع والبصر بالعلم .
الرد:
أما إجراء النصوص على ظواهرها، فقد تبين من قبل أن الاكتفاء بذلك مع ورود ما يجعل نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، وأنه ليست للناس حاجة للعلم بها = لا يكفي في رفع وصف التفويض عن صاحبه. ولو كان ذلك كافيًا لأغنانا عن وصف أبي يعلى بالتفويض برغم ظهور تفويضه.
فليس المطلوب من تميم القاضي هو الاستكثار من المواضع التي أكد فيها ابن قدامة على التمسك بالظواهر، وكذلك نقله عن بعض أهل السنة الذين فصلوا في إثبات الصفات. بل المطلوب هو الإجابة عن نصوصه الكثيرة التي تفيد التفويض.
يجدر التنبيه إلى أنه لا وجود لمفوضٍ اطرد مع تفويض الصفات ليشمل تفويضه كل صفات الله وذاته سبحانه وتعالى وإلا لصار من جملة الدهريين الملاحدة. ولكن المفوض ينفي معرفة معاني النصوص التي يتوهم أنها تقتضي نسبة النقص إلى الله -تعالى- كالعلو والوجه واليدين والنزول وغيرها. على تفاوت بين المفوضة في درجات الوهم، فمنهم من يثبت العلو ويفوض الوجه واليدين. ومنهم من يفوضها جميعًا.
والحق أن إثبات ابن قدامة للعلو والحرف والصوت حق ظاهر لا نزاع فيه، ولكن ابن قدامة نفسه نص على أن استواء الله عز وجل ويداه ووجهه من جملة المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله . فكونه لم ينص على أن العلو والكلام من المتشابه لا يعني أنه يطرد ذلك في باقي الصفات الإلهية.
أما إبطال ابن قدامة للتأويلات، فالظاهر أنه من جنس إبطال أبي يعلى للتأويلات. إذ لا يدل إبطاله للتأويل التفصيلي على أنه يبطل التأويل الإجمالي (التفويض) أيضًا.
الاعتبار للمذهب العقدي:
انتساب ابن قدامة للسنة والسلف، ونقله عنهم وإجلاله لهم، ومخالفته لطرائق المتكلمين، ومباينته للأشاعرة الذين يفوضون الصفات؛ كل ذلك يوجب حمل كلامه على مذهب السلف الذي ينتمي إليه.
الرد:
الحق أن كل ذلك لا ينفي وقوع ابن قدامة في بدعة التفويض. فهو قد وقع قبلها في بدعة القول بأن القرآن كلام الله القديم، وأن تلك الحروف والأصوات قديمة. وهذه مخالفة ظاهرة لما عليه أحمد بن حنبل فضلًا عن سائر أئمة السنة. وهي من البدع التي تتابع عليها الحنابلة أثناء معتركهم مع الأشعرية القائلين بالكلام النفسي.
ولنا أن نسأل القاضي: هل من طريقة السلف المباينة لأهل البدع والكلام تقرير أن أخبار الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله وأن العلم بمعانيها لا تترتب عليه ثمرة؟
ثم ألم يقع من هو أجل قدرًا، وتحقيقًا لمذهب السلف، ومباينة لأهل الكلام في أخطاء من جنس أخطاء المتكلمة؟
فقد أخطأ ابن خزيمة وهو إمام من أئمة الحديث المباينين لطريقة المتكلمين في معنى حديث الصورة، حيث أوّل الحديث تأويلًا مشابهًا لتأويل الجهمية الذين ينفون دلالة الحديث على أن لله صورة تليق به. فهل كان محض انتسابه للسلف، ومباينته للمتكلمين، مانعًا من تخطئته؟ وهل كان رده على الجهمية كافيًا لتأويل ظاهر كلامه الخاطئ إلى معنى آخر يصح به؟
مراعاة اختلاف المصطلح:
قرر القاضي أن اشتغال العلماء بالرد على المفوضة جاء متأخرًا لانشغالهم برد بدعة التمثيل والتأويل، وأنه ينبغي حمل ما قالوه في نفي الكيف والمعنى على نقيض ما يدعيه خصومهم، لا على عرف من تأخر عنهم فنفى معاني نصوص الصفات لتوهمه أن ذلك من مذهب السلف. كما شنع القاضي على من حمل كلام ابن قدامة في اللمعة على محمل خاطئ، وصحح كلام أحمد بن حنبل الذي يشابهه. فالاطراد يقتضي حملهما محملًا واحدًا .
الرد:
ما قاله القاضي بشأن اشتغال العلماء بنقض مذاهب الممثلة والمؤولة مسلم، لكن استنتاجه من ذلك بوجوب حمل كلام ابن قدامة على مثل ما قالوه غير مسلم. لأنه لم يرد عن علماء السلف ما يجعل نصوص الصفات من قبيل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله مع نفي الحاجة إلى العلم بمعانيها. وقد قال ابن قدامة بما سبق وهو نقيض ما جاء عن السلف. بل إن ما يقوله ابن قدامة أصرح في الدلالة على التفويض مما قد يتشبث به بعض المفوضة من نصوص السلف الأوائل. وقد أوردتها هذا المقال سابقًا. ولكن القاضي لم يستوفِ جميع نصوص ابن قدامة في قضية التفويض، واكتفى بانتقاء ما يوافق تصوره المسبق؛ وأتى بهذه الشواهد التي لا تتفق مع المعتقد الذي قرره ابن قدامة في كتبه. ثم استنتج منها نفي صريح كلام ابن قدامة في التفويض. والله المستعان.
هذا وقد أورد القاضي في نهاية رسالته استشكالًا على كلام لابن قدامة، ثم أجاب عنه بنظير ما قاله في المقال. ولاستيفاء حجج القاضي، فقد أحببت أن أذكر كلام ابن قدامة المستشكل مع تعليق القاضي، ثم الرد عليه.
الكلام المشكل:
“صفات االله تعالى وأسماءه لا تدرك بالعقل؛ لأن العقـل إنما يعلم صفة ما رآه أو رأى نظيره، واالله تعالى لا تدركه الأبصار، ولا نظير له، ولا شبيه، فلا تعلم صفاته وأسماؤه إلا بالتوقيف ، والتوقيف إنما ورد بأسماء الصفات دون كيفيتها وتفسيرها ، فيجب الاقتصار على ما ورد به السمع” .
“اللفظة إذا احتملت معاني، فحملها على أحدها من غير تعيين احتمل أن يحمل على غير مراد االله تعالى منها ، فيصف االله تعالى بما لم يصف به نفسه ويسلب عنه صفة وصف االله بها قدسه ورضيها لنفسه فيجمع بين الخطأ من هذين الوجهين وبين كونه قال على االله ما لم يعلم وتكلف ما لا حاجة إليه ورغبته عن طريق رسول االله صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلفه الصالح وركوبه طريق جهم وأصحابه من الزنادقة الضلال” .
“تعيين أحد المحتملات إذا لم يكن توقيف يحتاج إلى حصر المحتملات كلها ولا يحصل ذلك إلا بمعرفة جميع ما يستعمل اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ثم تبطل جميعها إلا واحداً ، وهذا يحتاج إلى الإحاطة اللغات كلها ، ومعرفة لسان العرب كله ولا سبيل إليه ، فكيف بمن لا علم له باللغة ؟ ولعله لا يعرف مجملًا سوى مجملين أو ثلاثة بطريق التقليد.
ثم معرفة نفي المحتملات يقف على ورود التوقيف به ، فإن صفات الله تعالى لا تثبت ولا تنفى إلا بالتوقيف، وإذا تعذر هذا بطل تعيين مجمل منها على وجه الصحة ووجب الإيمان بها بالمعنى الذي أراده المتكلم بها كما روي عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه أنه قال : آمنت بما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذه طريقة مستقيمة ، ومقالة صحيحة سليمة ليس على صاحبها خطر ، ولا يلحقه عيب ولا ضرر ، لأن الموجود منه هو الإيمان بلفظ الكتاب والسنة ، وهذا أمر واجب على خلق الله أجمعين . فإن جحد كلمة من كتاب الله متفق عليها كفر بإجماع المسلمين،وسكوته عن تأويل لم يعلم صحته والسكوت عن ذلك واجب أيضا بدليل الكتاب والسنة والإجماع ، ثم لو لم يكن واجباً لكان جائزاً بغير خلاف .” .
فكيف تعامل القاضي مع هذه النصوص المشكلة في رأيه -والتي ليست بأشد استشكالًا من نصوص ابن قدامة الآنفة في أن أخبار الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله -؟
ذكر أن مفهوم كلامه عدم السكوت عن التأويل الذي تُعلم صحته، كما أنه أوجب الإيمان بمعنى أراده المتكلم لا مجرد اللفظ . ثم استشهد بنص لابن قدامة في إثبات المعية على معنى الحفظ والعلم وأن ذلك ليس تأويلًا بل هو حمل على الظاهر الذي يتبادر للذهن .
وقد سبق أن بينت أن من المفوضة من يجري النصوص على ظواهرها رغم تفويضه لها، كما أن المفوض لا يطرد تفويضه في جميع الصفات، وهو يقطع أن لله مرادًا من النص يجب الإيمان به، لكنه يقر بأننا لا نستطيع معرفته. فتبين بذلك أن حجج القاضي خارج محل النزاع.
اللافت للانتباه أنه استدل بثناء ابن تيمية وابن القيم على ابن قدامة، واحتفائهما بمعتقده الذي كتبه. وذكر ما معناه أن ابن القيم أورد نفس قول ابن قدامة المشكل في لمعة الاعتقاد، ولو كان ابن قدامة جاريًا على سنن المفوضة من الحنابلة كابن عقيل وأبي يعلى لتعقبه ابن تيمية وابن القيم ولذكرا اسمه ضمن هؤلاء.
فيقال جوابًا عن هذا الاستدلال: لا شك أن ابن قدامة قد انتصر للقول بقدم القرآن، وجرى في ذلك مجرى الحنابلة الذين تأثروا ببعض المقولات الكلامية. بل إن ابن قدامة نفى تعاقب الحروف لئلا يؤدي به ذلك إلى القول بحدوثها وهو ما يناقض قدم الحروف الذي يؤمن به . فهل لاحتفاء ابن تيمية وابن القيم أي أثر في نفي هذا القول البدعي عن ابن قدامة؟ إن قيل لا، فلا قيمة لاستدلال القاضي به لنفي تفويض ابن قدامة.
ثم يقال أيهما أولى في تحرير قول ابن قدامة؟ كتبه الأخرى الموجودة بين أيدينا أم كتب غيره؟ لا شك أن الاستشهاد بكتب ابن قدامة أولى من الاستشهاد بابن القيم أو ابن تيمية في تحرير أقواله العقدية، خاصة إذا كان يصرح فيها تصريحًا لا تأويل فيه.
فتبين بذلك أن القواعد المنهجية التي أصلها القاضي لنفي تفويض ابن قدامة تؤدي بالضرورة إلى إثبات التفويض له.
ملخص حجج آل خضير:
استدل محمد آل خضير لنفي التفويض عن ابن قدامة بأربعة نصوص له، وأورد نص الروضة الذي أشرنا إليه في البداية باعتباره نصًا مشكلًا قد يدل على تفويض ابن قدامة وأجاب عنه بثمانية أوجه. وأما النصوص الأربعة التي ذكرها فهي تتضمن إثباته العلو والحرف والصوت وحمل النصوص على ظواهرها وكذلك إثبات أصل الحقيقة أو القدر المشترك. أما الأوجه الثمانية التي أجاب بها فأولها هو أن القول بأن آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله يصح إن قُصد بذلك أن حقائق هذه المعاني وكيفياتها لا يعلمها إلا الله سبحانه، والثاني: أن ابن قدامة ينفي المعاني الباطلة لا مطلق المعاني إذ أنه يبطل تأويل اليد بالقدرة مثلًا بل إنه يرد التأويل ما دام مخالفًا لظاهر النص، وثالث الوجوه: أن النصوص التي يُزعم بها تفويض ابن قدامة فيها ما يدل على نفيه للعلم بحقيقة المعنى كما أنها وردت مطلقة في جميع الصفات وهو مما لا يقول به مفوض أو فيما أشكل من النصوص وهذا قد يكون بسبب نظر المجتهد. ورابعها: أن إثبات ابن قدامة لبعض الصفات – كالضحك مثلًا – يناقض تأويلها بما يخالف ظاهرها، ودلالة المفهوم في ذلك هو أن التأويل الذي يوافق الظاهر مقبول. الوجه الخامس: استدلال ابن قدامة بالاستواء على معنى العلو، وهذا يقتضي أنه يثبت معنى للاستواء ولا يفوضه. الوجه السادس: الاستدلال بحديث النزول على العلو، ودلالته كالوجه السابق. الوجه السابع: نقل ابن قدامة عن ابن عبد البر إجماع أهل السنة على حمل نصوص الصفات على الحقيقة لا المجاز، وهذا يخالف صنيع المفوضة الذين يحملون النصوص على المجاز. الوجه الثامن والأخير: أنه لو فرض أن ابن قدامة مفوض فتفويضه خاص به إذ أنه يثبت العلو والحرف والصوت مع ذمه للتأويل والأشعرية.
الرد:
ينبغي الإشارة إلى أن آل خضير وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه القاضي حيث أنه لم يستقرِ ويتتبع جميع نصوص ابن قدامة في المسألة، وهذا خلل منهجي يؤثر كثيرًا على النتائج والاستدلالات. فحتى لو أمكن اعتساف نص الروضة بالتأويل، فالحق أن نصوص ابن قدامة الأخرى عصية على التأويل وتفويض معناها إلى غير القول بالتفويض.
أما إثبات العلو والحرف والصوت وإثبات الحقيقة في النصوص والقدر المشترك فقد تبين بما سبق من مناقشة أن ذلك لا ينافي التفويض في بعض الصفات الأخرى. فلم يأت آل خضير بأي جديد في هذا الشأن.
ومن ثم، فقد تعين الرد على ما أورده من الوجوه الثمانية التي نفى بها تفويض ابن قدامة.
الرد على الوجه الأول:
لا شك أن حقائق صفات الله تعالى وكيفياتها مما اختص الله جل جلاله بعلمها وتأويلها، ولا شك أيضًا أن أخبار الصفات لها معانٍ يفهمها المخاطبون، كما أن مراد الله ظاهر منها ولا يخفى على المسلمين بفضله سبحانه وتعالى.
ولكن هل يلتزم ابن قدامة هذا التفصيل في حديثه عن الصفات؟ ظاهر كلامه في الروضة أنه لا يلتزم هذا التفصيل، ولو أتم آل خضير النقل عنه لتبين له أن ابن قدامة يعد هذه الآيات من قبيل المتشابه الذي لا يعقله الناس. فقد قال: “فإن قيل: فكيف يخاطب الله الخلق بما لا يعقلونه، أم كيف ينزل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟
قلنا: يجوز أن يكلفهم الإيمان بما لا يطلعون على تأويله؛ ليختبر طاعتهم، كما قال – تعالى -: ((ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين))، ((وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم …)) الآية، ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس…)).
وكما اختبرهم بالإيمان الحروف المقطعة مع أنه لا يعلم معناها.” ولا ريب أنه لو كان يقتصر على نفي العلم بالكيفية لدفع عن نفسه إشكال أن يخاطب الله الناس بما لا يعقلونه. كما أنه جعل آي الصفات من قبيل الحروف المقطعة التي لا يعلم معناها، وهذا يقتضي المشاركة في نفي المعنى لا الكيفية كما هو ظاهر.
بل إنه يصرح في موضع آخر -كما نقلنا سابقًا- بأن العلم بمعاني آيات الصفات متعذر، وأنه لا ثمرة لذلك سوى محض الإيمان بها دون معرفة معانيها. وقد قال في ذلك: “فإنه لا حاجة لنا إلى علم معنى ما أراد الله تعالى من صفاته جل وعز، فإنه لا يراد منها عمل ولا يتعلق بها تكليف سوى الإيمان بها. ويمكن الإيمان بها من غير علم معناها. فإن الإيمان بالجهل صحيح”
وبذلك يتبين أن الوجه الأول ساقط عند التأمل والنظر.
الرد على الوجه الثاني:
قد يجتمع نفي التأويل وإبطاله مع التفويض -رغم اشتراكهما في نفي ظاهر النص- إذا لم يحرر العالم مذهب السلف في الصفات، وقد حصل هذا من أبي يعلى في كتابه (إبطال التأويلات) والجويني في (العقيدة النظامية) والغزالي في (إلجام العوام). فهل سيقول آل خضير بأن هؤلاء مثبتة لمعاني الصفات لمجرد نفيهم التأويل؟ بل إن أبا يعلى يقول – كما مر سابقًا – بإعمال الظاهر رغم تفويضه، فهل يعني هذا عند آل خضير أنه مثبت للصفات؟ ولن يتخلص آل خضير من هذا الإلزام سوى بنفي نصوص ابن قدامة الواضحة الدلالة على التفويض أو القول بتراجعه عنها أو نسبة الثلاثة المذكورين إلى إثبات الصفات.
الرد على الوجه الثالث:
زعم آل خضير أن العبارات التي يتوهم منها نسبة التفويض لابن قدامة ضربان: الأول: عبارات تتناول جميع الصفات. والثاني: عبارات تتناول ما أشكل من نصوص الصفات.
ولأن تفويض معاني جميع الصفات ممتنع بالاتفاق، فتعين أن يكون مراد ابن قدامة كيفية الصفات. ومثل للضرب الأول بهذه العبارة: “ومذهب السلف رحمة الله عليهم الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها ولا تفسير لها ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ، ولا تشبيه بصفات المخلوقين ولا سمات المحدثين ، بل أمروها كما جاءت ، وردوا علمها إلى قائلها ومعناها إلى المتكلم بها .” وزعم أن قوله: “وردوا علمها إلى قائلها ومعناها إلى المتكلم بها” مساوٍ لقوله بعد ذلك: “وعلموا أن المتكلم بها صادق لا شك في صدقه فصدقوه ولم يعلموا حقيقة معناها فسكتوا عما لم يعلموه” .
والحق أن النظر فيما سطره ابن قدامة في بقية رسالته ذم التأويل يجعل الناظر يجزم بأن مقصوده من نفي العلم بمعاني نصوص الصفات لا مجرد الكيفيات وحسب بل والمعاني أيضًا، ويتبين ذلك بما يلي:
قوله: “فثبت بما ذكرناه من الوجوه أن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ، وأن متبعه من أهل الزيغ وأنه محرم على كل أحد ، ويلزم من هذا أن يكون المتشابه هو ما يتعلق بصفات الله تعالى وما أشبهه دون ما قيل فيه أنه المجمل أو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين أو الحروف المقطعة ، لأن بعض ذلك معلوم لبعض العلماء وبعضه قد تكلم ابن عباس وغيره في تأويله فلم يجز أن يحمل عليه” . وقوله هذا وإن كان يخالف ما ذهب إليه في الروضة من أن الحروف المقطعة لا يعقل معناها، إلا أنه دال على أن معاني نصوص الصفات غير معقولة ولا معلومة لمغايرته بينها وبين المجمل الذي يُعلم بالمبين أو الحروف المقطعة التي علمها بعض العلماء.
بل قد ورد في هذه الرسالة ما يعده آل خضير تفويضًا، حيث أن من أركان التفويض التي يقوم عليها “عدم تعيين معنى آخر من المعاني التي يحتملها اللفظ” . وفي ذلك قال ابن قدامة: “اللفظة إذا احتملت معاني، فحملها على أحدها من غير تعيين احتمل أن يحمل على غير مراد االله تعالى منها ، فيصف االله تعالى بما لم يصف به نفسه ويسلب عنه صفة وصف االله بها قدسه ورضيها لنفسه فيجمع بين الخطأ من هذين الوجهين…” إلى آخر ما قاله.
وقال أيضًا: “تعيين أحد المحتملات إذا لم يكن توقيف يحتاج إلى حصر المحتملات كلها ولا يحصل ذلك إلا بمعرفة جميع ما يستعمل اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ثم تبطل جميعها إلا واحداً ، وهذا يحتاج إلى الإحاطة اللغات كلها ، ومعرفة لسان العرب كله ولا سبيل إليه ، فكيف بمن لا علم له باللغة ؟ ولعله لا يعرف مجملًا سوى مجملين أو ثلاثة بطريق التقليد .
ثم معرفة نفي المحتملات يقف على ورود التوقيف به ، فإن صفات الله تعالى لا تثبت ولا تنفى إلا بالتوقيف، وإذا تعذر هذا بطل تعيين مجمل منها على وجه الصحة ووجب الإيمان بها بالمعنى الذي أراده المتكلم بها كما روي عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه أنه قال : آمنت بما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم .” .
وقد استشكل تميم القاضي هذين النصين – كما مر سابقًا – وهما مشكلان عليه وعلى آل خضير. والإيمان بالنص على معنى لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى مع عدم تعيين المراد من اللفظ هو التفويض.
الرد على الوجه الرابع والخامس والسادس:
تقدم أن من العلماء من نفى تأويل آيات الصفات رغم قوله بالتفويض، وأنه لا يصح الاكتفاء بنصه على نفي التأويل لنفي التفويض عنه. وابن قدامة أحد هؤلاء. مع التنبيه إلى أنه يثبت العلو حقيقة وكذلك الحرف والصوت، وإنما وقع الإشكال عنده في بعض الصفات الأخرى بنص كلامه كالوجه.
الرد على الوجه السابع:
الصحيح أن مراد ابن قدامة – كما تقدم – من إثبات الصفات على الحقيقة هو أن معانيها وكيفياتها لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى لأن نصوصها من المتشابه. واستشهاده بقول ابن عبدالبر هو كاستشهاده بآية آل عمران للقول بأن آيات الصفات من المتشابه الذي لا يجوز التعرض إليه بالتأويل.
كما أن من المفوضة – كأبي يعلى – من يحمل نصوص الصفات على الظاهر رغم أنه لا يجعله معلومًا، وهذا ليس إثباتًا للصفة على المجاز كما هو ظاهر.
الرد على الوجه الثامن والأخير:
وهذا الوجه هو أصح ما ذكره آل خضير، والحق أن تفويض ابن قدامة خاص وليس كتفويض الأشعرية مثلًا لأنه يثبت العلو والحرف والصوت، وهذا ليس افتراضًا كما زعم آل خضير، بل هو حق ظاهر. والحمد لله رب العالمين.
الخاتمة:
تبين بهذا البحث الوجيز أن ابن قدامة مفوض في بعض الصفات رغم أنه يثبت العلو والحرف والصوت على الحقيقة. وتبين أيضًا أن كلامه في اللمعة مجمل – في أحسن الأحوال – وأن ما قرره في المواضع الأخرى يبين أنه يريد التفويض المذموم. وقد تبين أن ما قرره أكثر المعاصرين من نفي نسبة التفويض لابن قدامة وهم سببه عدم تتبع كلام ابن قدامة في سائر كتبه. وتبين كذلك أن نفي التفويض عن ابن قدامة يقتضي نفي التفويض عن غيره ممن صرح به ودافع عنه.
المراجع:
- إبطال التأويلات لأخبار الصفات، أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، تحقيق: أبو عبدالله محمد بن حمد الحمود النجدي، دار إيلاف
- الإرشاد إلى توضيح لمعة الاعتقاد، زيد بن محمد بن هادي المدخلي، الميراث النبوي، ط1 1433هـ-2014م
- إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد، عبدالرحمن بن ناصر البراك، إعداد: عبدالله محمد السحيم، دار التدمرية، ط1 1433هـ-2012م
- الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، إعداد: محمد بن حمد المنيع، دار طيبة للنشر، ط1 1418هـ-1997م
- تأويل مشكل القرآن، أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة، نشر: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث
- تحريم النظر في كتب الكلام، موفق الدين [عبدالله بن أحمد] بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد سعيد دمشقية، عالم الكتب، ط1 1410هـ-1990م
- التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: عبدالعزيز بن إبراهيم الشهوان، دار الرشد، ط1 1408هـ-1988م
- تيسير لمعة الاعتقاد، عبدالرحمن بن صالح المحمود، مدار الوطن، ط2 1432هـ-2011م،
- حكاية المناظرة في القرآن مع أهل البدعة، موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبدالله بن يوسف الجديع، مكتبة الرشد، ط2 1418هـ-1997م
- درء تعارض العقل والنقل، تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط2 1411هـ-1991م، الجزء الأول.
- دفع شبهة التشبيه، أبو الفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، ص22).
- ذم التأويل، موفق الدين [عبدالله بن أحمد] بن قدامة المقدسي، تحقيق: بدر بن عبدالله البدر، دار الفتح، ط1 1414هـ-1994م
- روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة [المقدسي]، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل، مؤسسة الريان، ط1 1419هـ-1998م، المجلد الأول
- شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان، اعتنى به: عبدالسلام بن عبدالله السليمان
- شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الراشد، صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، تحقيق: عادل بن محمد مرسي رفاعي، مكتبة دار الحجاز، ط1 1433هـ،
- شرح لمعة الاعتقاد أحمد الحازمي
- شرح لمعة الاعتقاد يوسف الغفيص
- الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم، موفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: محمد بن عبدالرحمن الخميس، مكتبة الفرقان، ط1 1419هـ-1998م
- فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المجلد الأول
- فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبدالرزاق عفيفي، إعداد: وليد بن إدريس منسي والسعيد بن صابر عبده، دار الفضيلة ودار ابن حزم، ط2 1420هـ-1999م
- مقالة التفويض بين السلف والمتكلمين، محمد بن محمود آل خضير، مركز تكوين، ط2 1437هـ-2016م
- لمعة الاعتقاد، أبو محمد عبدالله بن قدامة المقدسي، المكتب الإسلامي، ط4 1395هـ،
- متن جوهرة التوحيد، برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني، تحقيق: رامي بن محمد جبرين سلهب، دار السلام، ط1 1434هـ-2013م
- نفي تهمة التفويض عن الإمام ابن قدامة، تميم بن عبدالعزيز القاضي
- هداية المريد لجوهرة التوحيد، برهان الدين إبراهيم اللقاني، تحقيق: مروان حسين عبدالصالحين البجاوي، دار البصائر، ط1 1430هـ-2009م، المجلد الأول
- الواضح في أصول الفقه، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل الحنبلي، تحقيق: عبدالله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1 1420هـ-1999م
اقرأ ايضاً: موقف ابن تيمية من التفويض في نصوص الصفات : تفويض مفوضة الحنابلة نموذجا