كريستي لي هوشنبرغر
ترجمة: مريم بنت مسفر القرني
تحرير: إسراء سالم
يميل الأشخاص ذوو الشّخصية النَّرجسيَّة -عادةً- إلى لفتِ الانتباه. ويمتازونَ بقدرتهم الفائقة على تسليطِ الضوءِ على أنفسِهم، باختلاقِهم القصص عن حياتهم، وسرقة أدوار أشخاصٍ آخرين. وليتمَّ تشخيصُ المريض باضطرَاب الشَّخصيّة النَّرجِسيّة، يجبُ أن يتَّصفَ بخمسٍ من تسعِ صفاتٍ، بناءً على الدّليل التَّشخيصيِّ والإحصائيِّ للاضطرابات النفسيّة:
- شعورُه بالعظمة، وتوقّعاته أنَّ معاملة الآخرين له ستكون رائعة.
- يركِّز على الطاقة الخيالية: مثل النّجاح، والذّكاء، والجاذبيّة… وما إلى ذلك.
- تصوُّره الذّاتي عن نفسه: أنّه فريدٌ، ومميّز، ومرتبطٌ بأشخاصٍ ومؤسَّسات رفيعي المستوى.
- حاجتُه إلى إعجابٍ دائمٍ من الآخرين.
- شعورُه بالاستحقاقِ إلى معاملةٍ خاصّة، وعلى الآخرين أن يُطيعوه.
- مستغِلٌّ للآخرين لتحقيقِ مقاصده.
- لا يرغب بالتعاطفِ مع مشاعر الآخرين ورغباتِهم، وحتى احتياجاتهم.
- شديدُ الحسَدِ، ويَظنُّ أنَّ الجميعَ يشعُر تجاهه بالمثل.
- مغرورٌ ومُتعجرف.
للنّرجسيّةِ سِماتٌ تظهرُ في بعضِ النّاس، وهيّ تختَلفُ عنِ اضطرابِ الشّخصيّةِ النّرجسيّة. وكلُّ شخصٍ تحتَ أيّ ظرفٍ يُمكنه أن يختارَ ردود أفعاله، وهذه الخيارات والأفعالُ هي الّتي تفصل بينَ النّرجسيّين وغيرِهم؛ فأولئك الّذين يتصرَّفونَ بالعاطفة، والّذين يؤثرون الآخرين على أنفسِهم، والّذين يرفضون اللّومَ والثّناءَ في غيرِ محلّهما، ولا يستغلّونَ أحدًا، أولئك ليسوا بنرجسيين.
“النَّرجسيّ لا يرى سوى نفسه”
يرى النّرجسيُّ أنّه الشَّخص الأهمّ، ولا يُقدِّم أحدًا على نفسِه إلّا إذا تعيّنت له مصالحُ أكبر في تقديمِ الآخرين؛ فالآباء، والأبناء، والأصدقاء، جميعهم موجودون ليحقّقوا مقَاصِدَه واحتياجاته.
ويشعر النرجسي بضرورةِ أن يبقى مركزَ الاهتمام في حياة الآخرين. وثمّة نوعٌ منَ العلاقات -غالبًا- ما يَخدم غرضَ تعزيز الحالة النرجسيّة؛ فمثلًا: يشعر أنّه من الضروري أن يُصبح أبًا، ولكن من الممكن أن يُغيّر رأيَه عندما يُدرك أنّ ذلك يُصاحبه ارتفاعٌ في المكانة والاعتراف، مع مسمًّى جديد “أم/ أب”.
كذلك يُعرّف النّرجسيُّ علاقاته من خلال المنشوراتِ، والصّور، والهدايا، وكلُّ مَا من شأنه أن يُعطيَه مظهرًا مِثاليًّا على وسائل التَّواصلِ الاجتماعيّ (Sauls et al.، 2019). ولكن قد يتعرَّضُ شريكُ النّرجسيِّ للإهانة والتّقليل من قيمتِه باستمرار. وإذا انفصل شخص نرجسي عن شريكِه، فقد يجد هذا الشَّريك أنّه لم يُترك بمفرده للمضيِّ قدمًا بشكل صحّي. وما لم يقم هذا الشّخصُ بقطع صلته بشريكه النّرجسي بشكلٍ كاملٍ، أو قيَّد وصوله إليه، فهناك احتمالٌ أن يُلاحقه النَّرجسيّ، فيَعرض عليهِ مرة أخرى طلبات المقابلة، ويُرسل الرَّسائل على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك ليستمرّ في التَّملُّص من وعود التَّغيير للأفضل، في محاولةٍ يائسةٍ لجذب انتباه شريكه مرّةً أخرى. حتى إذا كان النرجسي لا يريدك، فهوَ يعتقد أنك لا تريد أي شخصٍ آخر غيره!
يميل النرجسيون إلى الشعور بالغيرة، ويمكن أن يكشف التنافس شعورَهم الهش بتقدير الذات (Geukes et al.، 2017). وعندما يبدأ شريك النرجسيّ السّابق علاقةً جديدة مع شخصٍ آخر، يمكن أن تؤدِّي غيرة النرجسي إلى عواقب خطيرة.
قد يبدو الشخص الذي يتمتع بدرجة عالية من النرجسية أنّه لا يُحبّ إلّا نفسه، وهذا ما يجعل العلاقة معه مملّةً، كما قد يكون لديهِ تقديرٌ زائد لذاته، ولكنَّه هشّ. وقد يكرهُ النّرجسيُّ نفسَه، ويفصّل عيوبه كما يراها هو، لكنَّه لا يقبل اللَّوم أو تحمُّلَ مسؤوليّة سلبيّاتِه؛ لأنه على يقين بفرادته وتميّزه؛ فإذا انهار زواجهُ، فهذا خطأ شريكهِ، وإذا لم ينجح في الاختبار، فهذا خطأ المعلم بلا شك، وإذا خسرَ وظيفته، فهذا خطأ المدير! ونظرًا لكونِه نادرًا ما يرى أنّه المسؤول عن أخطائه، فقلَّما يقومُ بتقديم تعويض أو اعتذار.
لا يتغير النرجسيون -عادةً- للأفضل؛ لأن ذلك يتطلَّبُ عينًا ناقدةً تتّجِه نحو الذَّات، وكثير من الأشخاص الذين يتمتَّعون بدرجةٍ عاليةٍ منَ النَّرجسيَّة لا يستطيعونَ التَّعاملَ مع أيِّ شيءٍ قد يُزعزِعُ غرورَهم. فإذا نظر الشَّخصُ النَّرجسيّ إلى الدَّاخل ليرى كيف أضرَّت أفعالُه بحياته وسمعته، قد يشعر أنّه لن يتمكن من مغادرة مكتبِ المُعالج مرةً أخرى. وإذا ذهب شخصٌ نرجسيّ لطلب المشورة، فعادةً ما يكون ذلك بسبب أفعال شخصٍ آخر تضايقه، أو تعرِّضه لضغوطٍ من أحدِ أفراد أسرته. وقد يقفز النرجسيون أيضًا من معالج إلى آخر، أو يوقفون العلاج فجأة، ولا يسمحون للمهنيِّ بالتَّعرُّف عليهم.
كما يميل النرجسيون إلى طلب الكثير من الثناء والإطراء. فالمعالج النفسي الذي يقول للنَّرجسيّ: إنّه خارجٌ عن السُّلوك القويم، لن يستمر طويلا معه، بل ربما صار ضحية تشويه سمعة، وتشهير وافتراء.
“كيفية التعامل مع الحاجة إلى الاهتمام”
إنّ الطّريقةَ الأفضل معَ شخصٍ يتمتّع بنرجسيّةٍ عالية، هو تجنُّبه. لا تُجبْ على رسائل البريد الإلكتروني، أو الرسائل النصية، أو المكالمات الهاتفية، أو رسائله على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تتصل به إن استطعت، أمّا إذا اضطُرَّ الأمر لمكالمتِه، فليكن ذلك بالمحادثة عبر البريد الإلكتروني، أو الرسائل النصية، حتى يكون لديك دليل على ما قيل بينكما.
وقد يحاول النرجسي طرح الأسئلة العابرة، وإرسال رسالة إليك، ثم الاعتذار بأنها أرسِلتْ خطأً، أو حتى القيادة بجوار منزلك في محاولة لجذب انتباهك. إنَّ أيّ رد فعل ودّي على سلوكِ النرجسي، يمكن أن تسمح له بالاعتقاد بأنهم ما زالَ مرغوبا، فإذا لم تتمكن من منعه، فتجاهله أو أجبه برد محدد مسبقًا؛ مثل: “من فضلك دعني وشأني”، أو: “سأناقش معك مسائل الحضانة فقط”. وفي اللحظة التي تنحرف فيها المحادثة عن الموضوع المعتمد، أو تتحول إلى هجوم، قم بإنهائها. وإذا استمرت المضايقة، فالجأ إلى من يتولى الأمر بدلا عنك. قد يبدو الأمر دراميًا أو غير ضروري، لكن من غير المرجح أن يقبل النرجسيون جوابهم بـ “لا”، وسيسعون للحصول على جواب آخر.