التربية والتعليم

البرامج التلفزيونية التعليمية للأطفال مضللة وذات نتائج عكسية

 

  • زكاري مايكل جاك (أستاذ مشارك في اللغة الإنجليزية بكلية نورث سنترال بولاية إلينوي)
  • ترجمة: سمية محمد يسري
  • تحرير: خلود الحبيب

 

تُوَجَّه أصابع الاتهام للبرنامج التعليمي عالم سمسم على سبيل المثال، حيث أنه ليس محض صدفة أن تقل مكانة المحاضرة التقليدية منذ بداية ظهور البرامج التعليمية المليئة، بالدمى مثله على شاشات التليفزيون الأمريكي عام 1969، عام وودستوك (أقيم في هذا العام أحد أعظم مهرجانات الفن في تاريخ أمريكا الحديث)، فمنذ ذلكم الحين بدأت مكانة المحاضرة أو الحصة الدراسية التقليدية في الانحدار تدريجياً.

وفي منتصف التسعينيات، عندما كنت أدرس في جامعات كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المملكة المتحدة نجَحَ العديد من المنتقصين من قدر المحاضرة التقليدية في تصويرها على أنها نموذج  لوسيلة تعليمية صمَاء جامدة، مما جعل منها كبش فداء في الثقافة العامة التي كان يعبَّر عنها ـ “كيف تجرؤ على إعطائي محاضرة؟”. كحال التربية الحديثة، فإنَّ البرامج التعليمية المتلفزة، التي جاءت في عصر ما بعد التحرير انتقلت إلى استخدام أساليب إبداعية وأكثر إشراكاً للطلاب، وهي بطبيعة الحال التي يتوقعها أبناء الجيل الذي كان أول معلم له في مرحلة ما قبل الدراسة دمية على شكل طائر في برنامج عالم سمسم تدعى (بيج بيرد).

يشجِّع خبراء المعرفة وعلم النفس التطوري الوَسائل التعليمية، التي تضع الطالب في المقدمة وفي المركز. ولكن البرامج التعليمية للأطفال التي تعرض على التلفاز مضللة وذات نتائج عكسية، فعندما يجذب انتباهي البروفيسور “بيج بيرد” بقوله مبتهجاً “الآن جاء دورك” قد أعتقد أنه يتحدث إليَّ مباشرةً: أو أنني أنا المتعلم الوحيد في العالم (أو على الأقل الوحيد الذي له أهمية)، ولكننا إذا حاولنا إعادة هيكلة التعليم الجماعي ليكون تعليماً يتمركز حول الطالب فإننا بذلك نستخرج من الطلاب الأنانية ونخدعهم.

لازلتُ أؤكد على أن المحاضرة التقليدية، على كل عيوبها، أكثر صدقًا وكفاءةً وفاعلية من أسلوب التعليم المعتمِد على الغناء والرقص، والذي يمنح سعادةً واستمتاعاً لحظياً ويقدم نفسه على أنه هو التعليم العالي الحديث. إن التعليم يتطلب إشراكاً طويل المدى في العملية التعليمية إشراكاً يشبه الحياة كونها بلا شك ماراثون أكثر منها سباق سريع قصير المدى.

لا ينبغي للمحاضرة أو الحصة الدراسية أن تسير في اتِّجاهِ واحد، أو أن تكون وسيلةً صمَّاء لا تُمَيِّزُ الاختلافات بين الطلاب، فإذا تأخرتُ أنا كطالب في استيعاب نقطة ما، ينبغي للمحاضر الكفؤ أن يدرك ذلكَ، وبإشفاقٍ ورحمة يعيدُ ما قاله وينتظر الوقت الكافي لتمكيني من استدراك ما فاتني، و من ثَمَّ يبدأُ في التقدُّم بخفةٍ ومهارة ،أثمرتها سنواتٌ من التدريب، ويخطو خطواته الواثقة والفاعلة والجديرة بالاحتذاء.

قد أبدأ الفصل الدراسي وأنا غير متحمس للدراسة، ولكنني متأكد بأني سأبدأ في الاندماج وتحقيق إنجازات بفضل معلمي ذا الشخصية القيادية، المتجرد الذي ليس لنفسه حظ من عمله ولا يتلبس بأي تصرف فيه إيهام لي بأني أنا العداء الوحيد في هذا العالم أو الشخص الوحيد الذي يعني شيئا، إنني واحد من العديد من الأشخاص الذين يجاهدون من أجل الوصول إلى أفضل ما يمكنهم الوصول إليه جنباً إلى جنب ساعين لمجاراة سرعة خطو معلمينا بدلاً من مطالبتهم بتخفيف سرعتهم لأجل راحتنا الشخصية.

رغم أن المحاضرة قد تبدو لمنتقديها وسيلة عفا عليها الزمان، فإنها قد أثبتت إمكانية الاحتفاظ بها رقمياً وإعادة سماعها أو الاستفادة منها الأمر الذي يجعلها تتوافق مع أسس النموذج التعليمي غير المتمركز حول الأشخاص ذا التكلفة المنخفضة والنتائج المرضية.

ومن المؤكد أن المحاضرة يمكنها أن تعدِّل من نفسها لتتماشى مع طبيعة جيل ألعاب الفيديو، الذي يفضل الأسلوب القصصي والحديث بضمير المتكلم، لازلتُ أؤمن بأن العجلة التعليمية قد تعود إلى الوراء باتجاه تقييم أكثر إنصافاً لفضائلها الخالدة.

لا يزال هناك بالتأكيد قيمة كبيرة للبرامج التعليمية الجماعية، والفاعلة، التي تُنَمِّي انتباهنا وتمنح فوائد كبيرة للمتعلمين الناضجين المستعدين لمنحه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى