- تأليف: جولي بيك
- ترجمة: أمجاد الغرير
- مراجعة: الغازي محمد
- تحرير: أحمد العراك
اعتادت ستيفي بيترز القراءة مقابل البيتزا في طفولتها. فقد كانت تجربتها الأولى في تحديات القراءة متمثلةً بالمشاركة في برنامج بيتزا هت للقراءة – الذي لا يزال موجودًا-
قالت لي :”شغلت غالب أوقاتي بالقراءة في طفولتي، حتى لو لم تكن من مهام الدراسة… فكرة أن تقرأ ٢٠٠ كتابٍ لتحصلَ على بيتزا مجانية من أعظم الأفكار على الإطلاق”.
بدأت بيترز – البالغة من العمر ٣١ عامًا، المترعرعة في الولايات المتحدة، القاطنة-حاليًا-في سوانسي/مقاطعة ويلز- المشاركةَ في تحديات القراءة مجددًا في ٢٠١٦؛رغم أنها لن تحصل على بيتزًا مجانيةً هذه المرة – فهي بالغة -. تقوم بيترز بتسجيل الدخول إلى حسابها في موقع (قود ريدز) مطلعَ كل عام، وتحدد هدفا لقراءة ٥٠ كتابا خلال تلك السنة، إلّا أنها لم تحقق هذا الرقم بعد… تقول أنها عادةً ما تقارب ٤٥ كتابا، وتؤكد – رغم ذلك – أن باستطاعتها تحقيق الهدف الذي أزمعت عليه، مبديةً الإصرار على تحدي نفسها قدر المستطاع.
لطالما حدد الناس أهدافًا للقراءة مُذ وُجدت الكتب؛ غير أن موقعَ ( قود ريدز) التواصليّ الاجتماعيَّ لتتبع القراءة أسّسَ ونشر فكرةَ أهداف القراءة الدورية السنوية. بدأ التحدي في ٢٠١١ بـ ١٤٩،٧١٦ من المشتركين في نفس العام.
تعهد هذا العام أكثر من 3 ملايين مشتركٍ بقراءة ما يناهز 49 كتابا قبل نهاية السنة. خلف هذا الرقم قلة طموحة من الناس، فمعظمهم لم يتعهد بقراءة أكثر من ٢٤ كتابا، بينما لم يتعهد غيرهم بقراءة أكثر من كتاب!
المواقع الأخرى مثل ( ريوت) و ( بوب شوقر) لديها تحدياتها السنوية الخاصة، وعلى موقع ( ريدت) يسعى القرّاء لإنهاء ٥٢ كتابا في السنة، بمعدل كتاب في الأسبوع.
في 2016 استطاع 16% فقط من المشاركين في تحدي( قودريدز) للقراءة إكماله، وذلك بإنهاء 21% من الكتب المتعهد بقراءتها . في سنوات سابقة… كانت هذه الإحصائيات أعلى إلى حد ما؛ ففي 2011، 29% من المشاركين أنهوا التحدي ، وفي 2019 أنهى المشتركون 56% من الكتب المتفق على قراءتها .قد يكون السبب عائدًا إلى أن المشتركين في الأيام الأولى من التحدي كانوا من القراء النهمين فقط. بدأ الموقعُ الترويجَ للتحدي بفاعلية في عام 2015 . أخبرتني سوزان سكايفيرا – متحدثة رسمية في شركة قودريدز- أن الشركة لا تمتلك أي بيانات قد تؤثر على قرار أحدهم بشأن إكمال التحدي أو عدم إكماله، وقالت أن الموقع يفضل التركيز على كون الناس يقرءُون.
الحقيقة القائمة أن المزيد والمزيد من الناس يضعون أهدافًا للقراءة لا يحققها معظمهم. لِمَ تضع لنفسك هدفًا بعيدَ المنال؟! لمَ تقنّن هواية القراءة أصلًا؟!
أكثر الأسباب بداهة ربما يكون أكثرها انتشارا،وإضفاء بعض المنهجية على طريقتك في القراءة قد يكون وسيلةً للتأكد من أنك تقرأ فعليّا.
أجرت دونالين ميلر – سفيرة القراءة لموقع Scholastic ، ومؤلفة كتابين عن عادات القراءة – مسحا لممارسات البالغين في القراءة، محاولةً اكتشاف السبب الذي يدفع الناس لمتابعة القراءة رغم غياب المنهجية المتوفرة في القراءة المدرسية. وأحد أهم المفاتيح التي وجدتها لفهم الأمر أن الفرق بين القارئ وغير القارئ كون الأخير ليست لديه خطة مستقبلية للقراءة، فمن السهل جدا ضياع القراءة وسط مشاغل حياة البالغين، وضغط بهرجة مواقع التواصل، ومتع ( النتفلكس)؛ ( خطة قراءة مستقبلية) قد تعني التسويف ووضع الكتب على قائمة الانتظار في المكتبة، وقد تمثل خطة فضفاضة لتكريس وقتٍ أطول للقراءة، أو قد تعني تحدّيًا سنويّا للقراءة.
يقول بن قوسبي- المحاسب ذو 31 عاما في بيفرلي / ماساتشوستس – أنه كان يقرأ كثيرا في طفولته ، ولكنه لاحظ أنه لا يقرأ بنفس المستوى في السنوات الأخيرة. ولذلك وضع هدفا لقراءة 25 كتابا هذا العام . الرقم كما يقول ” شيء حسي للتركيز عليه” فهو يخشى التنصل من القراءة إذا قلله. ويقول أنه متمركز حول الأرقام بما أنه محاسب يستمتع بترتيب وفرز البيانات.
الأهداف السهلة المنال قد تكون محفزة، وتطور تجربة القراءة وفقا للدكتور ( نيل لويس الإبن) -أستاذ علم النفس في جامعة كورنيل ، الدارس للدوافع والسعي وراء الأهداف- ولكن: ” إذا كان الهدف خياليًّا – بناءً على وقائع حياة الإنسان- فسيكون حينها مُحبطًا”، كما وضح لي في رسالة إلكترونية؛ وعندما يضع الناس أهدافا كهذه ينسون – غالبا- ما قد يقطع الطريق ويستهلك الوقت…. إذا لم تكن تقرأ كما ترغب ، فالسبب أنك تصرف الوقت في أمور أخرى؛ فهل أنت مستعد للحد من ذلك وتوفير وقت للقراءة ؟
يجد بعض الناس التحدياتِ محبطةً… سجلت (سو) – المعلمة ذات الخمسين عاما ، القاطنة في كرونثرون /إنجلترا – للتو في موقع قودريدز ووضعت هدفَ قراءة 20 كتابا في تحدي القراءة ، ( طلبت أن يتم الإشارة إليها باسمها الأول حتى لا يطّلع طلابها على معلوماتها الخاصة ) . وصرّحت أنها لا تجد التجربة ممتعة إلى الآن! .
تحتفظ ( سو) بقائمة فيها أسماء الكتب التي قرأتها مذ كانت في الثانوية ، ويمكن القول أنها كانت تقرأ أكثر عند انعدام الهدف العددي المحدد لديها.
قالت لي:” وضعت هدف العشرين كتابا – الذي لا يعتبر كثيرا مقارنة بما أنجزت- فتراجعت قراءتي كثيرا مذ وضعته، واستمر الموقع بمراسلتي برسائل تقول أني متخلفة عن الخطة!… أتساءل هل جعلتني هذه الرسائل أشعر أن القراءة عمل روتيني بدلا من أن يكون ممتعا؟!؛ تمنيت -تقريبًا- أنني لم أسجل في قودريدز ،فهو يذكرني بأيام المدرسة”
هذا هو الشيء المحير في أهداف القراءة ، أنها في حقيقتها واجبات منزلية يفرضها القراء على أنفسهم .
كما هي الواجبات المنزلية ، يمكن أن تُشعر أهدافُ القراءة أولئك الذين لا يجدون دافعا جوهريا للقراءة أنها عمل متكدس فارغ .أو ربما تجلب شعورا بالتعلم والإنجاز .
هي ليست دائما لعبة أرقام… وجدت خلال تصفحي منتدى قودريدز وتحديات القراءة أن العديد من المستخدمين لديهم أهداف أخرى تباري الكتب المتعهد بقراءتها، أهداف لتطوير أنفسهم وتوسيع نطاق تفكيرهم والارتقاء بأذهانهم.
يريد بعضهم قراءة كتب لمؤلفين ” غير بيض”، أو قراءة الكلاسيكيات… امرأة تريد قراءة ١٠٠ سيرة ذاتية أو مثل هذا العدد من المذكرات قبل أن تصبح في الأربعينات من العمر.
لدى هيلي سوتزنبيرق – مدخلة البيانات ذات 29 عاما، القاطنة في أتلانتا- هدف قراءة ٥٢ كتابا يعينها على تكثيف قراءتها في مجال الخيال – وهو الهدف الموازي الذي تطمح إليه- كما قامت بوضع قائمة يسميها القراء TRB jar (حصالة الكتب الواجب قراءتها TRB To Be Red).
وسط حشد الذين يحبون تقنين القراءة ، ستجد أفرادا يتحسرون على الكومة المتنامية من قائمة الكتب الواجب قراءتها .
شرحت لي سوتزنبيرق طريقة عمل حصالة الكتب التي يجب قراءتها في بريد إلكتروني قائلة : ” اكتب عناوين الكتب التي تود ضمها للقائمة على قصاصات ورقية ، ثم اطوها وضعها في حصالة، وعندما تكون مستعدا لاختيار كتاب، قم ببساطة باختيار قصاصة عشوائيا ” وأضافت : ” قد تشعرك حصالة TRB أحيانا بأنها قائمة قراءة مدرسية صيفية، لأنها شيء تطلبه من نفسك، ولكنها من الممكن أيضا أن تكون لعبةً لقائمة الكتب المتنامية المتوجب الانتهاء منها، لعبة ممتعة… هذه الطريقة تبدو كأمر وسيط بين المتعة وتطوير الذات على كل حال”
هناك أشكال أخرى من الترفيه تنتظم في هذا الأسلوب ، مشاهدة الوثائقيات على سبيل المثال قد يكون تعليميا وممتعا في آن واحد، ولكن يبدو أن القراءة تلهم هذا التوجيب والتقنين إلى درجة نادرة، ربما لأن المجتمع يرى القراءة جيدة في حد ذاتها، بينما يصور الإعلامَ ، و الأفلامَ والتلفازَ والانترنتَ كمضيعة للوقت – نظرا لأن الكثير من الناس يرون أنهم يستهلكون كثيرا من الإعلام المرئي ، ويرون أن الهدف هو الحد من هذا الاستهلاك “
قال لي آيليت فيشباش- أستاذ علم السلوك في جامعة شيكاغو بوث للأعمال، الذي يدرس الأهداف – :” بهذا المعنى ، تعد القراءة فضيلة بالنسبة لكثير من الناس ، لذلك يودون الاستزادة منها ، بينما مشاهدة التلفاز خطيئة يحاولون الحد منها “
كررت سكايفارا – من شركة قودريدز- هذا المعنى في حديثنا مُقارِنةً تحدياتِ القراءةِ بنزول الوزن بقولها: ” أنهم يقرءون أكثر من المعتاد، حتى لو لم يحققوا هدفهم المنشود؛ كما لو أنك قررت فقدان 20 باوندا من وزنك ، فتمكنت من خسارة 15 ، فأنت أفضل مما كنت عليه ” ليست خسارة الوزن وقراءة الكتب- بالطبع- ممارسات فاضلة بطبيعتها، لكن الناس تعارفوا على تصنيفها ضمن ممارسات تطوير الذات، وهي أمور يشعرون بداعٍ خفي يحثهم على فعلها. وتعتبر من الحلول السنوية الجديدة الشائعة .
في نهاية المطاف ، أكثر الناس سعادة ضمن من تحدثت إليهم بشأن تحديات القراءة هم غير المهتمين كثيرا بإنهائها. يعتقد قوسبي أنه لن يتمكن من تحقيق هدف قراءة 25 كتابا هذا العام ،والسبب أنه يتمهل في قراءة الكتب الجادة حتى يستوعبها؛ لكن الهدف الحقيقي- كما يقول- هو أن يقضي وقتا ممتعا في القراءة .( وضّح ميلر أن أناسًا كثرًا كقوسبي ، يكون لديهم وعي داخلي بأنفسهم كقراء خلال إتمام التحدي)
طورت بيترز إستراتيجيةً لقراءة مجموعة من الكتب دفعة واحدة… عندما تمل من أحدها ، أو عندما لا تكون في المزاج المناسب لقراءة موضوع معين ، فيمكنها الغوص في آخر؛ وعندما لا تحقق هدفها تقول أنه قد يكون مقلقًا نوعا ما، لكنه ليس بمشكلة كبيرة؛ “فعندما يحل يناير ، أتصفح الموقع فيطرح قودريدز السؤال عن الكتب التي نود قراءتها في السنة القادمة ، أهز رأسي، وأقول لنفسي: يمكننا المحاولة مرة أخرى “
لا أدري كيف وقعت على هذا الكنز المعرفي الجميل… موقع مميز
ومقال لطيف ♥️
مقال مفيد جدا