- تأليف : سوسان سكوتي – Susan Scutti
- ترجمة : أفنان نويد طيب
- تحرير : خلود بنت عبدالعزيز الحبيب
شهدت دراسة جديدة تضاعفًا في نسبة نزلاء المستشفيات من الأطفال والمراهقين؛ بسبب أفكار وأفعال انتحارية على مدار أكثر من عقد من الزمان، وسيتم عرض الدراسة الأحد في اجتماع للجمعيات لطب الأطفال للعام 2017 للميلاد، حيث تمت فيها دراسة الأطفال بين سني الخامسة والسابعة عشر، ووجد ارتفاعٌ ثابتٌ في نسبة الداخلين للمستشفيات لأسباب انتحارية، أو لإيذاء النفس في 32 مستشفى للأطفال على نطاق الدولة بين عامي 2008 و2015 للميلاد، وبالرغم من أن الارتفاع شمل جميع الفئات العمرية، إلا أنه كان الأعلى بين الفتيات المراهقات.
“لاحظنا تزايدًا في عدد الأسرة في مستشفانا في العامين-الثلاثة أعوام الماضية، ولم يكن هذا الازدياد لترقيد أطفال مصابون بالتهاب رئوي أو داء السكري، إنما لأطفال كانوا بانتظار توفير المكان لهم لكونهم انتحاريين”، هذا ما قاله قال دكتور جريجوري بليمونز مقدم البحث، والبروفيسور المساعد في قسم الأطفال في مستشفى مونرو كاريل جونيور للأطفال في فاندربيلت، والذي قام بإجراء الدراسة مع زملائه؛ لاستشعارهم النزعة الحاصلة حول البلاد، وأضاف: ” وهذا أكد لنا شعورنا: أن النسبة تضاعفت خلال القرن الماضي”.
الذروة كانت في الخريف والربيع
اطلع بليمونز على البيانات الخاصة لسجلات 32 مستشفى أطفال لأجل تحديد العدد الكامل لزيارات الطوارئ أو التنويم في المستشفى خلال الأعوام الثمانية الماضية التي تنتهي عام 2015 للميلاد، ووجد حوالي 118363 طفلًا بين سني الخامسة والسابعة عشر مع تشخيص عند الصرف من المستشفى، يوثق عن محاولات انتحار أو إيذاء للنفس بشكل جاد. وقال:” لم ننظر إلى الانتحار بشكل متكامل ولم ننظر في العدد الفعلي الكامل لحالات الانتحار، كل ما نظرنا إليه كان عدد الأطفال الذين تم ترقيدهم في مستشفى الأطفال بتشخيص عن الفكر الانتحاري أو محاولات الانتحار”.
وجد أن حوالي 59631 طفلًا أي ما يزيد عن النصف كانوا بين عامي 15 و17، 37% كانوا بين 12 و14 ، بينما 13% أي ما مجموعه 15050 طفلًا كانوا بين الخامسة والحادية عشرة، وأشار بليمونز أن هذا الارتفاع عند الأطفال يعكس الارتفاع عند البالغين.
لاحظت الدراسة أنه في الفترة التي أجريت فيها، كان عدد الأطفال أكثر من الضعف، فقد ازدادت النسبة من 0.67% لعام 2008 إلى 1.79% عام 2015، كما أن هناك ارتفاعًا سنويًا بمعدل 0.27% في الفئة العمرية بين 15 و17 عامًا، و0.25% للفئة العمرية من 12 إلى 14 عام، و0.02% للفئة العمرية بين 5 و11 عامًا.
وحوالي 60% من الذين تم تنويمهم في المستشفيات نتيجة للأفكار والمحاولات الانتحارية هن من الفتيات، اللاتي ارتفعت نسبتهن عام 2015 إلى 66% حسب إفادة بليمونز والذي لم يصنفهن حسب الفئات العمرية، إلا أنه أخبر أن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها قد أعطى تقريرًا عن ارتفاع حالات الانتحار إلى الثلاثة أضعاف عند الفتيات، بين العشرة أعوام والرابعة عشر بين عامي 1999 و2014 للميلاد.
وقال:”كفة الإناث أرجح عند الحديث عن محاولات الانتحار، إلا أن الرجال بشكل عام هم من ترجح كفتهم عند الحديث عن نجاح المحاولات”.
وأشار إلى واحدة من النتائج المثيرة للاهتمام والتي لم يلحظها في أي مكان آخر، حيث نظر شهريًا في أعداد الأطفال الذين كانوا بانتظار الحصول على مكان شاغر في المستشفى ليتم ترقيدهم، أو أولئك الذين تم ترقيدهم، ووجدت اختلافات بين الشهور، فبينما كان أقلها في تموز، كانت أعلاها عند بدء المدارس، وذروتها في الخريف والربيع، وخمولها أثناء الصيف.
“سؤال المليون دولار هو عن ماهية السبب الذي يدفع الأطفال للانتحار؟ تم تبليغ العديد من العوامل المحفزة لهذا الأمر كالتاريخ العائلي للمرض الاكتئاب أو الانتحار، العنف الأسري، العنف تجاه الأطفال، الشذوذ الجنسي عند فئة الشباب، التنمر وغيرها من العوامل، إلا أننا لم نطلع على أي منها أثناء قيامنا بالدراسة”.
“تؤدي المدارس إلى العديد من هذه السلوكيات، وأتساءل إن كان لها مفعول حول “التواصل الاجتماعي و الاندماج المجتمعي” بشكل عام، نحن نعلم أن ضغوطات المدرسة تعادل ضغوطات العمل، ولربما كان إزالة بعض من هذه العوامل مساعدًا للأطفال على التأقلم بشكل أفضل قليلًا”.
واحدة من النظريات السادة خلف انتحار المراهقين كما ذكر بليمونز هو التنمر الإلكتروني إذ أن الفاعل “يبقى مجهولًا هذي الأيام وهذا يشكل فرقًا كبيرًا، فقبل عدة سنوات كان بإمكانك معرفة هوية المتنمر”.
كما أن الفتيات يبلغن عامًا أبكر “عما كن عليه في الماضي، والبلوغ بحد ذاته يشكل عاملًا محفزًا للانتحار”.
نقص في مهارات التأقلم؟
تعتقد أفيتال ك. كوهين، وهي عالمة نفس لم تشارك في البحث، أن هناك مجموعة متنوعة من العوامل المساهمة في الاتجاه المتصاعد الذي شوهد في الدراسة، وقالت بالرغم من عدم امتلاكها أبحاثًا لدعم آرائها، :”لقد تغيرت توقعاتنا بشأن الأطفال بشكل كبير خلال العقود الماضية”.
“العديد من الآباء يحاولون حماية أبنائهم من التجارب الفاشلة في صغرهم، ما ينعكس عليهم عند الكبر باستجابات عاطفية كبيرة لحظة تجريبهم شعور الفشل إضافة إلى قلة المصادر والمهارات الكافية للتأقلم مع الوضع، وهذه الاستجابة “قد تكون عاملًا مساهمًا لزيادة فرص حدوث الانتحار”.
كما أنها تؤمن أن لمواقع التواصل الاجتماعي دورًا في زيادة معدلات القلق، والاكتئاب، والتنمر الإلكتروني، الذي هو ظاهرة “لا أعلم إن كان أي منا قد فهمها بشكل كامل. يبدو الأمر غير واضح عند الحديث عن أثر المدى البعيد لعالم التواصل الاجتماعي الذي ينمو فيه الأطفال والذي تبدأ أولى لحظاته عند قيام الآباء بنشر صور أطفالهم الرضع والدارجين”.
قال ديفيد بالميتر، أستاذ علم النفس بجامعة ماري وود في سكرانتون بولاية بنسلفانيا، والذي لم يكن أيضًا جزءًا من القائمين على الدراسة، :”هناك مشكلة أعمق تتمثل في عدم حصول معظم الأطفال إلى رعاية صحتهم العقلية رغم احتياجهم لها، فحوالي 20% إلى الثلث ممن يحتاجون الرعاية يحصلون عليها إلا أن الحصة الأكبر لا تحصل عليها” وأضاف: “وحتى أولئك الذين يحصلون عليها، عليهم عادة أن يعانوا عدة سنوات قبل الحصول عليها وكثيرًا ما يحدث أن تكون هذه الرعاية من غير الضرورة قائمة على الأدلة”.
“حتى وإن كانت نسب الانتحار عند الأطفال (مرعبة)، فإن الدراسة لا تثبت إن كانت المعدلات في تزايد، لفعل هذا نحتاج إلى المزيد من الدراسات”.
ومع ذلك، فهو يؤمن أن الدراسة مهمة؛ لأنها تشير إلى أن الجهود المبذولة لتثقيف الجمهور حول تحديد المشاكل تؤتي أكلها، فالآباء والمعلمون قادرين على التعرف على الأطفال الذين هم بحاجة إلى المساعدة، وقال: “إذا كان هناك أي شيء، فيجب أن يصبح الآباء أفضل في التعرف على أعراض الاكتئاب، نقص البهجة، مشاكل التركيز والسلوكيات المنعزلة التي تحدث”.
“تاريخيًا، آمنا بشكل خاطئ أن مشاكل الانتحار تحدث في سن المراهقة، وأغفلنا من هم أصغر سنًا، ونحن نعلم الآن أن هذا غير صحيح، فقد يكون لديك أطفال أقل من 12 عامًا، أقل من عشرة أعوام يفكرون في محاولة الانتحار أو ربما القيام به بشكل كلي”.
انتحار الأصغر سنًأ
ذكر كارل تيشلر، وهو أستاذ مساعد في علم النفس والطب النفسي بجامعة ولاية أوهايو، والذي لم يكن ضمن فريق الدراسة، إنه عندما يتعلق الأمر بالانتحار، فهناك اختلافات كبيرة بين المراهقين والأطفال الأصغر من 11 عامًا وقال: “كلما كان الطفل أصغر كلما كان أكثر اضطرابًا، هؤلاء الأطفال الذين يأتون إلى غرفة الطوارئ في كثير من الأوقات يبدون وكأنهم تعرضوا لحادث. الأطفال الذين هم بعمر السادسة أو أقل ممن يحاولون الانتحار أو ينجحون فيه هم “أطفال مشوهون”، وهناك شيء واحد يقفز للذهن عند دراسة حالات هؤلاء الأطفال، هو “كيف أنهم تعرضوا بشكل كبير للعنف المنزلي”.
سيقومون بأشياء كالقفز من النافذة أو الشرفة، أو حتى الركض تجاه حركة المرور، وقال أن إحدى الحالات كانت لطفل صغير ارتدى ملابس وكان يلعب لعبة الفتى الخارق أو الرجل الخارق، ومن ثم استطاع شنق نفسه على حبل النافذة. وأضاف “اللجوء للشنق أو الاختناق هو الأكثر شيوعًا عند الأطفال بين السابعة والحادية عشر”.
“عند النظر في الأمر من الخارج سيبدو وكأنه طفل عادي قفز لاعبًا من أعلى سريره وآذى نفسه، تعمق قليلًا وستجد أن والده قد انتحر، أو ربما واجه صدمة عائلية عميقة، لقد كانت محاولة انتحار إلا أن الطفل كان عاجزًا عن التعبير عن رغبته بالموت، بعض هؤلاء الصغار ربما يعبرون عن رغبتهم بالموت، وأنه لا رغبة لهم بالعيش، ورغبتهم بالذهاب للنوم وعدم الاستيقاظ وأشياء كهذه”.
“موظفي الصحة في أقسام الطوارئ أصبحوا أكثر دقة، فهم يوجهون الأسئلة ويبحثون عن الأطفال الذين يحاولون الانتحار. أنت فقط لا تعرف، يجب أن تكون انضباطًا مع ما تتعامل معه دون القول “إن الطفل دون سن السادسة لا يمكنه فهم ديمومة الموت” قالها تيشلر معيدًا صياغة نظرية قديمة تقول إن الأطفال لا يحاولون الانتحار أبدًا.
و أضاف:”حوالي 12 إلى 15 مليون طفل يعيشون على الأدوية النفسية، وقد تزداد الجرعة أو تقل في أي وقت، ما يؤثر على الحالة العاطفية، والتي تقلل من القدرة على السيطرة على الاضطرابات، كل هذا قد يسهم في زيادة الدافع للانتحار”.