- آن غيجر – Ann Gauger
- ترجمة: د. عبد الله الشامي
- مراجعة: خالد الشايع
- تحرير: خلود الحبيب
كنت سعيدة جدًا بعد أن عرفت صباح الأمس أنّ فرانسيس هـ أرنولد Frances H. Arnold، البروفيسورة في الهندسة الكيميائية في معهد كالتك Caltech، قد حازت على جائزة نوبل، بالتشارك مع مهندسي بروتينات آخرين هما جورج ب سميث George P. Smith، البروفيسور الفخري للعلوم البيولوجية في جامعة ميزوري، و غريغوري ب وينتر Gregory P. Winter، الباحث في الكيمياء الحيوية من مختبر البيولوجيا الجزيئية في مجلس البحوث الطبية في إنجلترا. علّق دوغلاس آكس وماتي لايسولا أيضًا على هذا الخبر.
قام مختبر آرنولد في كالتك بهندسة بروتينات مفيدة في الصناعة، والطب، والعلوم، وابتكر تقنيات جديدة وحصّل قدرًا كبيرًا من العلم حول البروتينات، ومعها بالأخص الإنزيمات (بروتينات تحفّز التفاعلات الكيميائية). من الدروس التي تعلمتها باكرًا في مهنتها هي أنّنا لا نستطيع توقع الأثر الناتج عن تغيير تسلسل الحموض الأمينية الخاص بالإنزيم على بنيته ووظيفته. حاول العلماء تغيير وظيفة إنزيم أو خواصه بشكل ما أو بآخر بتغيير بضعة أحماض أمينية، أو حتى أقسام كاملة من الإنزيم، ولكن دون نجاح كافٍ. في البداية كان الظن أنّ هذه العملية، المعروفة بالتصميم المنطقي rational design عملية واعدة، ولكنها استبدلت بدرجة واسعة بنوع مختلف من العمليات الهندسية، يعرف بالتطور الموجّه directed evolution.
“التطور الموجّه”: تناقض لفظي
الكلمتان “تطوّر” و “موجّه” يشكّلان مع بعضهما تناقضًا لفظيًا oxymoron ولكنّهما يستعملان معًا لسببين؛ الأول: هو أنه يصمّم العلماء بفاعلية استراتيجية التطفير mutagenesis: نقطة البداية، ونمط التطفير وبروتوكولات الانتقاء التي ستستعمل، والوسائل لتحديد النسخ المُحسّنة. هذا ما يشير إليه “الموجّه”. الثاني: عائد لكلمة “التطور”؛ لأنّه عوضًا عن تحرّي الطفرات واحدة بعد أخرى، يستعمل مهندسو البروتينات التطفير العشوائي لتوليد ملايين الأشكال البديلة للإنزيم. يرمون وابلًا من تقنيات التطفير على الإنزيم المُرشّح للتغيير: تغيير أساسًا واحدًا أو مجموعة أسس ، أو تقليب أقسام من DNA، أو كلاهما. ويُتحقق من النتائج بعدها بحثًا عن أبسط زيادة في الفاعلية المرغوبة أو وظيفة محسّنة، وتخضع الأشكال البديلة المُحسّنة للعملية مرة أخرى. إن كان لدى العلماء مسحًا عالي الإنتاجية بما يكفي، يمكنهم النظر في مليارات النسخ المعدلة.
نتيجة لذلك يلجأ مهندسو البروتينات لقدرة التغيّر العشوائي بالإضافة للتصميم الذكي؛ ليروا إن كان شيء ما سيحسّن الوظيفة. بالنسبة للإنزيمات ذات المستوى المنخفض من الفاعلية المرغوبة بالأصل، قد تكون العملية بسيطة نسبيًا. بينما من أجل الوظائف الجديدة كليًا فالعملية تحتاج جهدا أكبر. على أيّة حال، من النادر أن يكون تغيير أساس واحد كافيًا. وغالبًا سيكون من الضروري إحداث طفرات متعدّدة، 7، 8، 10، 12 في كلّ مرة. في بعض الحالات، بعض الطفرات ضرورية من أجل أن تعطي طفرات أخرى أثرًا، حيث أنّها إن لم تحدث سوية فلن تكون هنالك فائدة؛ بل قد يقع الأسوأ، سيحدث انخفاض في الوظيفة.
من النتائج المثيرة للاهتمام في هذه الطريقة في هندسة البروتينات أنّ الطفرات الفعّالة قد تكون متباعدة، على السطح أو مدفونة في العمق، وفي أماكن غير متوقّعة، بحيث لا يمكن رؤية التصميم المنطقي إلا بصورة لاحقة؛ مما جعل سبب فشل التصميم المنطقي كاستراتيجية واضحًا.
علينا أن نتذكر أنّ حتى البروتينات متوسطة الحجم المؤلفة من 300 حمض أميني، يُرمّز لها 900 زوج من الأسس base pairs؛ من أجل الحصول على فرصة مواتية لإصابة كلّ تبديل لأساس مفرد يكون من الضروري تجريب عشرات الآلاف من الأشكال الطافرة. ولأجل التحقق من كلّ مشاركة مؤلفة من أساسين فنحتاج لعشرات الملايين من الأشكال الطافرة. لا يمكننا اعتيان هذا الفضاء التجميعي combinatorial space لجميع المُشاركات من ثلاثة أو أربعة أسس، حتى مع التطفير العشوائي الموجّه، مع استخدام أفضل الاستراتيجيات، إلا إن كان عدد الأشكال الطافرة التي يمكن اختبارها سريعًا أضخم بدرجات أسية.
الهندسة المُصممة بذكاء
لكن توجد مشكلة أخرى؛ بسبب الحاجة لحدوث طفرات متعدّدة معًا، يُقرّ روميرو Romero وآرنولد في مُراجعة عام 2009 ، بأنّ “بعض الوظائف… لا يمكن الوصول إليها ببساطة عبر سلسلة من الخطوات الصاعدة الصغيرة، بل تحتاج عوضًا عن ذلك لقفزات أطول تتضمن طفرات محايدة أو حتى مؤذية إن أجريت بصورة فردية”. يمكنك الانتظار لزمن طويل جدًا لتجتمع أربع أو خمس طفرات وتعطي الوظيفة المرغوبة. في جمهرة بكتيرية مثل E. coli بمجملها، يبلغ زمن الانتظار لأربع طفرات لتجتمع سوية 1015 سنة. (عمر الكون يبلغ 1014 سنة فقط.)
أخيرًا كما أشار الدكتور آكس في تعليقاته، الإنزيمات المعدلة هي أشياء ضعيفة مقارنة بالإنزيمات الطبيعية، حتى مع أفضل الجهود من مهندسي البروتينات. إننا نجبر الإنزيمات على التصرف بطرق لم تصمم لأدائها.
يجب أن نبارك للدكتورة آرنولد، فقد عثرت مع مختبرها على طريقة لتحقيق ما عجزت عنه الطبيعة، وهو توليد إنزيمات ذات قدرات أو صفات جديدة، بالقفز فوق الحواجز التوافقية من الزمن والصدف، باستعمال مشاركة من الاعتيان العشوائي بالبحث الشامل في فضاء التتالي، مع التجارب المصممة بذكاء، وإبداع ومثابرة، هذا ليس التطور، بل هي الهندسة المُصممة بذكاء.