ترجمة: نداء عبد الله بلقاسم البكري
تحرير: مريم مصطفى نصحي الألفي
إستراتيجية فاينمان هي أفضل إستراتيجية لإعادة لياقة فهمك وتعلمك، وهي إستراتيجية فعّالة مهما كانت المادة التي تريد فهمها.
صمم هذه الإستراتيجية الفيزيائي ريتشارد فاينمان الفائز بجائزة نوبل بحيث تعمل على رفع مستوى التعلُّم من خلال قوة التدريس، فالتعلّم ليس مجرد إلقاء نظرة سريعة على كتاب وحفظ ما يكفي للنجاح في اختبار ما.. إنّ تعلّم المعلومة يعني أن تكون قادرًا على شرحها واستخدامها في مواقف مختلفة.
وإستراتيجية فاينمان تنقل الأفكار من مجرد حقائق مجردة وغير مفيدة وغير مترابطة، إلى أفكار بنّاءة يمكنك تكوين معارف حقيقية من خلالها، فعندما تتعلم شيئًا ما حقًا فإنك تمنح نفسك أداة لاستخدامها لبقية حياتك، وكلما عرفت أكثر قلّت المفاجآت التي ستواجهها، لأن معظم الأشياء الجديدة ستتصل بشيء تفهمه بالفعل.
في النهاية.. معنى التعلّم هو فَهْم العالم بشكل أفضل، ولكننا -في معظم الأحيان- لا نتكلف عناء التعلم أصلًا، نحن نحفظ ما نحتاج من معلومات في المدرسة ثم ننسى أغلبها، ونكمل حياتنا ونحن لا نستنبط من معرفتِنا التجاربَ لتوسيع نطاق تطبيق معرفتنا، وبالتالي فإن الحياة تلدغنا من نفس الجحر مرارًا وتكرارًا، ولتجنب الشعور بالحيرة بسبب ما هو غير متوقع، تساعدك تقنية فاينمان على تحويل المعلومات إلى معرفة يمكنك الوصول إليها بسهولة.
استراتيجية فاينمان
“يمكن لأي أحمق يظن نفسه ذكيا أن يجعل الأشياء أكبر وأكثر تعقيدًا، بينما يتطلب الأمر لمسة من العبقرية والكثير من الشجاعة للتحرك في الاتجاه المعاكس”.
– إرنست شوماخر.
الأربع خطوات الأساسية لإستراتيجية فاينمان للتعليم:
بناءً على الطريقة التي استخدمها ريتشارد فاينمان في الأصل، وبعد تكييفها قليلًا لتناسب تجاربنا الخاصّة، فالخطوات هي كما يلي:
١- اعتبر أنك ستشرح المفهوم الذي تريد التعرّف عليه لطالب في الصف السادس.
٢- حدد الثغرات ونقاط الضعف في تدريسك، وارجع إلى مصدر المواد لفهمها بشكل أفضل.
٣- نظّم معلوماتك وبسّطها.
٤- انقل معرفتك للآخرين (اختياري).
الخطوة الأولى: اعتبر أنك ستشرح المفهوم الذي تريد التعرف عليه لطالب في الصف السادس
أخرج ورقة بيضاء، وفي الجزء العلوي منها اكتب الموضوع الذي تريد إتقانه، اكتب الآن كل ما تعرفه عن الموضوع كما لو كنت تعلّمه لطفل أو دمية جالسة على مكتبك.
من المهم أن تتذكر أنك لا تُدرّسها لصديقك البالغ الذكي، بل لطفل لديه القليل من التركيز والمفردات لفهم المفاهيم الأساسية وعلاقاتها، فيجب أن يكون شرحك بسيطا وواضحا، أو بدلاً من الطفل يمكنك وضع بطة مطاطية على مكتبك ومحاولة شرح المفهوم لها.
يصحح مهندسو البرمجيات أحيانًا الأخطاء في برمجياتهم من خلال شرح البرمجيات الخاصة بهم سطراً بسطر إلى بطة مطاطية، قد تشعر بسخافة الأمر ولكن هذه الطريقة تجبرك على المرور بمعرفتك كاملة من بدايتها إلى نهايتها بدون إغفال أي نقطة أو تجاوزها، وبأبسط الجمل والمصطلحات.
اتضح أن إحدى الطرق التي نخفي بها عدم فهمنا هي استخدام مفردات ومصطلحات معقدة، والحقيقة هي أنه إذا لم تتمكن من تحديد الكلمات والمصطلحات التي تستخدمها بوضوح وببساطة، فأنت لا تعرف حقًا ما الذي تتحدث عنه.
مثلًا: إذا نظرت إلى لوحة ووصفتها بأنها (مجردة)، لأن هذا ما سمعته في فصل الفن، فإنك لا تُظهر أي فهم إنك تقلد ما سمعته فقط ولم تتعلم أي شيء.
عندما تكتب فكرة من البداية إلى النهاية بلغة بسيطة يستطيع الطفل فهمها، فإنك ستكون مجبرًا على عرض الموضوع بشكل كامل بلغة مبسطة وبسرد منطقي مما يجعلك تفهم الموضوع بشكل أعمق مما تظن، حتى أنه يمكنك أن تشرح بشكل أفضل كيفية بناء هذه المعرفة وليس فقط ماهيتها.
الخطوة الثانية: حدد الثغرات ونقاط الضعف في تدريسك
المناطق التي تواجه فيها صعوبة في الخطوة الأولى، هي النقاط التي يكون لديك فيها ثغرات في فهمك.
تحدّد الثغرات في فهْمك، عندما تنسى شيئًا مهمًا، أو لا تكون قادرًا على شرحه، أو تواجه مشكلة في شرح علاقته بمعرفتك، ويعدُّ ملء هذه الثغرات وحلّ تلك المعضلات هو ما يجعل معرفتك ثابتة وقوية.
وبعد أن تعرف أين توجد الثغرات في فهمك، ارجع إلى مصدر المعرفة الحقيقي ثم زد عليه مصادر أخرى وابحث عن تعريفات ومعلومات واستمر حتى تتمكن من شرح كل ما تحتاجه بعبارات بسيطة، فقط عندما يمكنك شرح فهمك بدون استخدام مصطلحات معقدة، واستخدام عبارات بسيطة بدلًا منها، حينها يمكننا أن نقول أنك تمكنت من هذه المعلومة وفهمتها بشكل كامل.
بمعنى إذا كنت تحتاج إلى مصطلحات معقدة لشرح ما تعرفه فهذا يعني أنك لا تفهمه بشكل كامل، فالمصطلحات البسيطة يمكنك إعادة ترتيبها ودمجها بسهولة مع كلمات أخرى لتوصيل وجهة نظرك، لذا أنت تفهم الأمر جيدًا إذا استطعت أن تقوله بطرق متعددة وباستخدام كلمات مختلفة، تُظهر القدرة على شرح شيء ما بطريقة بسيطة وسهلة أنك قد أنجزت العمل المطلوب للتعلم، ويؤدي تخطي هذه الخطوة إلى وهم المعرفة، وهو وهم يمكن تحطيمه بسرعة عند أول نقاش أو جدال.
إن تحديد حدود فهمك هو أيضًا طريقة لتحديد دائرة اختصاصك، عندما تكون صادقًا مع نفسك في تحديد ما تعرفه ومالا تعرفه؛ فإنك تحدّ من الأخطاء التي قد ترتكبها، وتزيد من فرصك في النجاح عند استخدام هذه المعرفة.
الخطوة الثالثة: نظّم معلوماتك وبسّطها
الآن لديك مجموعة من الملاحظات الجيدة تحتوي على شرح بسيط.
نظّمها في شكل سرد يمكنك ضبطه وشرحه من البداية إلى النهاية.
اقرأه بصوت عالٍ، إذا كان التفسير يبدو محيرًا في أي نقطة، فارجع إلى الخطوة الثانية، واستمر في التكرار حتى تحصل على قصة يمكنك إخبارها لأي شخص يستمع إليك.
إذا اتّبعتَ هذا النهج مرارًا وتكرارًا، فسوف ينتهي بك الأمر مع كتاب مليء بالصفحات حول مواضيع مختلفة، إذا أخذت بعض الوقت (مرتين في السنة مثلا) لتصفح هذا المجلد، ستتفاجأ بكم المعلومات الذي تتذكره.
الخطوة الرابعة: انقل معرفتك للآخرين (اختياري)
هذا الجزء اختياري، لكنه النتيجة المنطقية لكل ما فعلته للآن. إذا كنت تريد حقًا أن تتأكد من فهمك، فاعرضه على شخص ما ومن الأفضل أن يكون شخصًا لا يعرف إلا القليل عن الموضوع.
الاختبار النهائي لمعلوماتك هو قدرتك على نقلها إلى شخص آخر.
يمكنك قراءة ما كتبته مباشرة، أو يمكنك عرض المادة مثل محاضرة، يمكنك أن تطلب من أصدقائك مثلًا قضاء بضع دقائق من وقتهم أثناء شراء العشاء لهم، أو يمكنك التطوع كضيف متحدّث في صف طفلك، أو في منزل والديك المتقاعدين، كل ما يهم حقًا هو أنك تحاول نقل المعرفة إلى شخص واحد على الأقل ليس على دراية بها، الأسئلة والتعليقات التي تتلقاها لا تقدر بثمن لتطوير فهمك بشكل أكبر، ومن المرجّح أن سماع ما يثير فضول جمهورك سيثير فضولك أنت أيضًا ويضعك على الطريق لمزيد من التعلم.
وبالتالي عندما تبدأ في تعلم الأشياء بشكل جيد حقًا، تقدر حجم ما يجب معرفته منها.
***
تقنية فاينمان ليست فقط وصفة رائعة للتعلم، ولكنها أيضًا نافذة على طريقة التفكير، فهي تسمح لك بتمزيق الأفكار وإعادة بنائها من الألف إلى الياء، كما تسمح لك بزيادة تعلمك من الآخرين.
غالبًا ما نريد أن نبدو أذكياء بدلاً من محاولة التعلم الحقيقي.. نومئ برؤوسنا حتى عندما لا نفهم ما يتحدث عنه شخص ما، هذه فرصة ضائعة للتعلم، إذا كنت تجري محادثة مع شخص ما وبدأ في استخدام المصطلحات التي لا تفهمها، فاطلب منه أن يشرحها لك كما لو كنت في الثانية عشرة من العمر، لن تفهم ما يقوله فقط، ولكن أيضًا ستُزيد من قدراتهم التعليمية.
يؤمن نهج فاينمان بشكل أساسي بأن الذكاء هو عملية نمو تتماشى بشكل جيد مع عمل كارول دويك (التي تصف الفرق بين العقلية الثابتة والعقلية المستمرة في النمو).
“إذا لم تتمكن من اختصار مشكلة هندسية صعبة في ورقة واحدة تطوى في الجيب، فمن المحتمل أنك لن تفهمها أبدًا.”
– رالف بيك.
ماذا يعني أن “تعرف؟”
يعتقد ريتشارد فاينمان أن “العالم مثير للاهتمام ولا يجب رؤيته من باب واحد فقط.”
لقد فهم الفرق بين معرفة شيء ما حق المعرفة ومعرفة اسمه فقط، وكذلك عندما تعرف شيئًا ما حقًا كيف أنه يمكنك استخدام هذه المعرفة بشكل كبير بينما عندما تعرف فقط اسم شيء ما، فلن يكون لديك إحساس حقيقي به.
لا يمكنك تفكيك هذه المعرفة أو ربطها بمعارف أخرى وإنشاء رؤى جديدة.. عندما تعرف شيئًا ما، تكون التسميات غير مهمة لأنه ليس من الضروري الاحتفاظ بها في القالب الذي جاءت فيه.
“الشخص الذي يقول إنه يعرف ما يفكر به ولكنه لا يستطيع شرحه عادةً لا يعرف حقًا ما يفكر به”.
– مورتيمر أدلر.
إن الإجابات التي يقدمها فاينمان على أسئلة (مثل: لماذا نسأل؟، ولماذا تبقى القطارات على المسارات أثناء دورانها حول منحنى؟، وكيف نبحث عن قوانين علمية جديدة؟، أو كيفية عمل الأربطة المطاطية؟) بسيطة وفعالة ولا تتوارى خلف التجريد والمصطلحات.
مثال هنا يوضح الفرق بين معرفة اسم الشيء وفهمه:
“انظر إلى هذا الطائر، اسمه (القلاع البني)، ولكن في ألمانيا يطلق عليه اسم halzenfugel))، وفي اللغة الصينية يسمونه (chung ling)، ولكن حتى إذا كنت تعرف كل هذه الأسماء، فلا تزال لا تعرف شيئًا عن الطائر، أنت تعرف شيئًا واحدا وهو ماذا يسمي الناس هذا الطائر؟ ولكن لو عرفت أن هذا القلاع يغني ويعلم صغاره الطيران، ويطير مسافة أميال خلال الصيف في جميع أنحاء البلاد، ولا أحد يعرف كيف يجد طريقه، فسيكون الأمر مختلفًا”.
معرفة اسم شيء ما لا يعني أنك تفهمه، بل نتحدث بهذا التعقيد من أجل التعتيم على عدم فهمنا الحقيقي للمعرفة. ومن ثَمّ لا يمكنك ترجمة الأشياء إلى لغة بسيطة يمكن للطفل فهمها.