- اويفي مونكس (مهتم في الدراسات المسرحية، والتمثيل المسرحي في جامعة كوين ماري في لندن)
- ترجمة: سمية يسري
- تحرير: خلود الحبيب
- مراجعة التحرير: سعيد السوادي
كان قلقي الزائد ورغبتي الشديدة في بداية عملي أن أقدم لطلابي أكبر قدر ممكن من المعلومات في كل محاضرة يجعلهم يشعرون بالضغط الشديد.
عندما أخبرتني إحدى الطالبات أنني كنت أرتدي سترتي داخلها في خارجها أدركت أن كل خططي قد بائت بالفشل. كان هذا أحد المواقف التي حدثت لي في بداية عملي الأكاديمي في جامعة لندن بمدينة بيرك بك، وقد كان الإعداد لمحاضرة في ذلك الحين بالنسبة لي أشبه بكابوس مزعج أحياه. في ذلك الوقت، طلب مني أن ألقي محاضرة استقبال لمئة وخمسين طالبا في السنة الأولى من الدراسة التخصصية للغة الانجليزية حول التمثيل المسرحي لكتابات شكسبير، الموضوع الذي لم أكن أعلم عنه الكثير. وحيث أنني كنت لا أزال جديدا في هذا المجال؛ وبسبب قلقي الشديد جمعت الكثير من المعلومات، وبطبيعة الحال لم أستطع أن أنسقها مع بعضها البعض ولم أكتب المحاضرة كاملة. في اليوم المحدد للمحاضرة، تعطلت الثلاث طابعات المعدة للاستخدام وكان علي أن أستعمل الاحتياطية والتي تطبع 170 مذكرة في سرعة شديدة. بينما كانت تفعل ذلك كنت أنا منهمكا في البحث عن مفتاح كابينة الكهرباء الموجودة في قاعة المحاضرات، والذي أضعته أثناء هرولتي حول المبنى للعثور على طابعة تعمل. عند وصولي إلى قاعة المحاضرة ومع دخول الطلاب إلى القاعة فوجئت أن نظام تشغيل كابينة الكهرباء غير مفهوم، وليس فيها مفتاح كهرباء ظاهر. تطلب هذا أن أسرع نحو مكتب الاستقبال طالبا المساعدة. وأخيرا، عندما عدت مسرعا إلى القاعة غارقا في العرق استوقفتني طالبة في نصف الممر، التفت إليها بارتياح ظانا أنها سوف تخبرني كيف أستخدم لوحة الكهرباء تلك ولدهشتي وجدتها تخبرني بلطف أن سترتي معكوسة.
بالتأكيد، قابل الطلاب عدم استعدادي بحماس شديد، إن حقيقة أني لم أنتهي من كتابة سوى ثلاثة أرباع المحاضرة جعلني أترك للطلاب بعض الوقت خلال المحاضرة للتفكير في ما ألقيه عليهم. في الواقع، أتاح ذلك لهم أن يستوعبوا محتوى المحاضرة، ويكونوا قادرين على مناقشة ما ألقيه عليهم مع زملائهم مما جعلهم يتفاعلون مع محتوى المحاضرة، وأتاح لهم الفرصة كي يستوعبوا الأفكار جيدا حال سماعها بدلا من أن يكونوا مستقبلين فقط غير متفاعلين. بعد ذلك، أخبرني أحد الخريجين الذي يعمل معي كمساعد أن الطلبة شعروا أنها كانت إحدى أفضل محاضرات العام.
بالتأكيد لم يعلموا كم كلفت هذه المحاضرة جهازي العصبي. ولكن، بالطبع لقد كانوا على حق، كانت هذه إحدى القصص التي يتحول فيها الفشل الذريع إلى درس بالغ الفائدة.
كان قلقي الدائم في بداية عملي، وحرصي على تقديم أكبر قدر ممكن من المادة العلمية، يجعل طلبتي يشعرون دائما بالضغط الشديد، كما جعلهم أيضا غير قادرين على استيعاب المادة العلمية أو فهم أهميتها قبل كل شيء. المحاضرة التي تتيح لهم الفرصة كي يشاركوا فيها و يفكروا في ما يلقى عليهم لا تمر على قدر كبير من المعلومات، ولكنها تشركهم بشكل أكبر، وهذا هو الدليل على أنهم قد تعلموا شيئا بالفعل.
أدركت أن المحاضرات لا يجب أن تكون كما تبدو عليه في الأفلام، حيث يقف عجوز يرتدي سترة صوف، أو شاب نشيط يرتدي سترة من الجلد يأسران الطلاب بحضورهم العالي و جاذبيتهم العبقرية. بل لا بد أن تكون المحاضرة كندوة كبيرة أو ورشة عمل، ويمكن لمجموعة من الطلاب أن يحصلوا على لقب “مجموعة العام” إذا استطاعوا أن يشتركوا معا في عملية التعلم، أحيانا يكتفون بالاستماع في صمت -وهي مهارة مفيدة بحد ذاتها-، وأحيانا يدونون ملاحظاتهم كل على حدة، وأحيانا أخرى يعملون معا. اتضح أن المحاضرة الناجحة لا تقاس بمقدار ما أعلم كأستاذ، أو بمقدار ما ألقيه على طلبتي أثناء المحاضرة، بل بمقدار ما تعلموه هم خلالها.
أصبح إعطاء المحاضرات اليوم أحد وسائل التدريس المفضلة لدي، لكي أفاجئ الطلاب بما يستطيعون إنجازه في مجموعة كبيرة، الآن محاضراتي غير مكتملة دائما عن قصد.
ولكني بالطبع أتأكد دائما من أني أرتدي سترتي بشكل صحيح قبل بدء المحاضرة، بعض الدروس يتعلمها المرء بطريقة صعبة.
اقرأ ايضاً: إطفاء الأنوار في المحاضرات ليست دائما فكرة جيدة