يريد الناس إنشاء روبوتات ستتكمن من قيادة العالم
- تأليف: جوليان روس
- ترجمة: الجراح القويز
- مراجعة: الغازي محمد
- تحرير: البراء بن محمد
كانت الحرية تعني في وقت ما أمرًا مهمًا للبشرية. لأنها عنت التوقف عن القمع والسجن من قبل القوى التي تسعى للسيطرة على الفرد. واستحقت كلمة “الحرية” =حينها- بعض معناها –على الأقل-. إذ إنها كانت تعني أن الفرد نفسه هو من يحدد مصيره.
لم تعد الحرية تحمل المعنى نفسه الآن. فللحرية الجديدة معنى مضاد تقريبًا. إذ يبدو أنها مرتبطة الآن بوجود شخص أو كائنات ما تفكر -[نيابة] عن الشخص نفسه- في اتخاذ تلك القرارات التي تزعجه أو لا يرغب في اتخاذها أصلًا -. إنها -في نهاية المطاف- تعفي المرء تمامًا عن مسؤوليته عن اتخاذ أي شكل من أشكال العمل باستثناء ما له عائد مادي أو ما يغذي غروره.
توفر هذه “الحرية” الجديدة -في واقع الأمر- فرصة سانحة لمضطهد جديد يواصل سيطرته على الإنسانية بثوب جديد وهو: *إغواء النفس بالراحة* . إنه يقلل الحاجة إلى الجهد الإبداعي الذهني (والجهد البدني أيضًا في كثير من الأحيان) ويوهم المرء أنه لا شيء يستحق الجهد أو يوهمه بأنه لا يفعل شيئًا حقيقيًا سوى نقر لوحة المفاتيح والانخراط في الواقع الافتراضي للفضاء الإلكتروني الذي يحقق لنا ما نريده. إنه الإغراء العظيم في عصرنا. إنه يحتفي بنا بمكر وخفة ليستولي على تفكيرنا ويتخذ كائنًا أقل من الإنسان وهو الذكاء الاصطناعي .
نعم، إن هناك إغراءً سطحيًا لتقنية تكون بحجم الكف، وتعمل باللمس، وتتسم بالسلبية. هناك يجلس أسياد الإنسان في مدينة سيليكون فالي والبنتاغون، ويرصدون كل خطوة تخدم تقدم نظام التحكم المركزي الاستبدادي.
ويبقى السؤال: هل أرخت العبودية قبضتها عن أكثر البشر؟ هل يفضل الغالبية الطمأنينة الغافلة على مخاطر الوعي؟ لقد كان شكسبير محقًا عندما طرح هاملت الاستفهام البلاغي الشهير “أكون أو لا أكون ، هذا هو السؤال”.
لم يكن سؤال كهذا بحاجة لأن يطرح، ولولا خيانة فطرة الله المودعة فينا منذ آلاف السنين لما طرح أصلًا. إن تركيبة البشر الخلقية مزودة بالوقود اللازم لهدايتنا في طريقنا نحو التعبير التام عن ذواتنا باعتبار أننا كائنات أرضية/مخلوقة.
لقد سلك هذا الانحراف منحنى بعيدًا. لقد انخفضت قدرتنا على الاحتفاظ بقوة للتفكير المستقل.
إنني أعتقد أن عالم النفس الاجتماعي والمؤرخ إريك فروم (Erich Fromm) قد أصاب عندما قال أن “الخوف من الحرية” كان من الأشياء الأساسية التي سمحت للفاشية بالظهور قبيل الحرب العالمية الثانية، لأن الإحساس السائد بغياب الأمن في المجتمع هو ما يدفع الناس عمومًا إلى التخلي عن الحريات المدنية، والقناعة في أقل الأحوال بحماية “قيادة قوية”، مع قطع النظر عن دوافعها.
لكن مستخدمي هذا النوع من التنازل هم الذين يبرعون في التلاعب بمخاوف الشعوب؛ وبذلك تتعاظم مركزية السلطة في أيدي القلة المستبدين. إنهم -بحيلة خفية- يوهمونهم بوجود الأمن والقيادة. ولكنها في الواقع خطوة مدبرة لمحاولة الاستيلاء الشامل.
إننا في هذه اللحظة من عام 2018/2019 نشعر بإحساس مشابه بانعدام الأمن الذي يستحوذ على من دامت ثقتهم بشخصيات سياسية صورية -في الواقع- يُتلاعب بها كالدمى من قبل سلطات كبرى . ولكن ثقة الجمهور بالطريقة القديمة في الممارسة السياسية قد تلاشت مؤخرًا بسبب ذلك مما ترك فجوة لم تملأ بعد. ومع ذلك فقد توقعت النخب السياسية منذ فترة طويلة نشوء فجوة كهذه، ولعبت دورًا فعالًا في تهيئة الظروف المناسبة لذلك.
لقد هيئت حالة القلق الراهنة (المتشكلة بسبب يأس متزايد من “القيادة الإنسانية”) ظروفًا مناسبة لتقديم حل تكنولوجي “غير إنساني” لتنظيم الحياة على هذا الكوكب عن طريق الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي واتخاذه “حلًا” لفشل الإنسان.
كانت احتياجات المجتمع -في السابق- تُلبى بحلول تواكب الواقع، وذلك بمنهج عملي يعتمد على مجموعة مشتركة من المهارات الإنسانية والإبداع والحكمة.ولكن سرعان ما همشت هذه الخصال في الوقت الراهن، وأصبحت المسؤوليات في أيدي أولئك الذين يصممون برامج الكمبيوتر والخوارزميات وأنظمة التحكم في الإنترنت وهي الأنظمة التي تعمل جنبًا إلى جنب مع المشاركة البشرية الجماعية لصالح القدرة المطلقة على التنبؤ والاتساق الكامل للذكاء الاصطناعي.
إن الخوف من الحرية هو الذي يجعل هذا التنازل عن مسؤولية الإنسان تجاه الآلة مغريًا لأناس كثر . فما زالت الكثير من الحاجات البشرية مشروطًة بالحاجة إلى التدخل البشري . لقد اتضح أن القيادة السياسية المشتركة فاسدة جدًا وأنها لا تهتم بدعم صحة البشر ورفاههم فضلًا عن البيئة التي تحوي جميع الكائنات الحية. ونشأت بسبب ذلك حالة شديدة من انعدام الأمن داخل المجتمع.
مجتمع مكون من أناس لا يتصورون أنهم سيتحملون بأنفسهم مستوى عاليًا من المسؤولية الفعلية عن المستقبل فضلًا عن اتصافهم بإرادة لضبط اتجاه الحياة اليومية بعيدًا الاعتماد على رموز لُقنت -بعناية= فن الخداع.
إن حالة انعدام الأمن تدفع الناس للبحث عن شخص أو شيء ما يُعتمدُ عليه للتخفيف من قلقهم تجاه المستقبل؛ ولكن ما نحتاج إليه فعلًا هو دراسة مستفيضة لأسباب نقص الحافز الذاتي ونوعية المسؤولية الداخلية التي سنواجه بها الواقع لنبتدئ السيطرة على مصيرنا الإنساني.
إن من الواضح -رغم ذلك- أنه ما زال هذا التكليف مهمًا للكثير من الناس. إنهم يُقادون لصالح أهداف مفروضة من أعلى هرم السيطرة، مما يجعلهم يبدأون في التنازل عن غرائز البقاء على قيد الحياة البشرية لصالح “الراحة” في حين أنهم ينتقلون إلى حالة الغفلة. [إنه] شلل اختياري لقوة التفكير الذي يجير الأنشطة الطبيعية للقشرة المخية لصالح جدول الأوامر البرمجية للروبوت. [وهو] نوع من التنازل التعاقدي عن جميع المسؤوليات الطبيعية الموكلة إلى البشر، وهو ما يجعلنا في حالة إنكار لقدراتنا. ورغم أن الله منحنا دماغًا فعالًا وقلبًا عاطفيًا فقد تنازلنا عنها لصالح “قيادة سايبورغ”. *سايبورغ كائن سينمائي يتكون من جزء انساني وجزء آلي*
لم يتوقع -منذ زمن ليس ببعيد- أن فعلًا كهذا وارد الحدوث. بل كان يُعتقد أنه يتعارض مع طبيعة نظام القيم الإنسانية. وهي الحالة التي يعبر الناس فيها عن الحب والضحك والحزن والألم بحرية ، بل ويتعاطفون كذلك مع المملكة الحيوانية والنباتية المحيطة بهم.
وقد قادني ذلك إلى النظر في احتمال أن تكون خطوة النخب السياسية لإعلان النصر النهائي الحاسم هي تفعيل شبكة 5G WiFi أو أن يكون لها -على الاقل- دور رئيس في ذلك؛ لأن شبكة 5G قد أُنشأت عن طريق وضع مجموعة أقمار صناعية عالمية مصممة لتغطية كل سانتي متر مربع من هذا الكوكب بغرض تزويد الذكاء الاصطناعي بهذه السيطرة. أما عملية استحواذ الذكاء الاصطناعي (AI take-over) فقد صممت لتزويد نظام التحكم العالمي بالطاقة، ويعمل هذا النظام على تشغيل “إنترنت الأشياء” والذي يعمل بدوره على تشغيل “إنترنت كل شيء”. ربما لا يكون الأمر بنفس ما ذكرته بهذا الترتيب المحدد، ولكن يظهر أن هذه المستجدات جزء من خطة كبرى لتمام استحواذ النظام العالمي الجديد.
هل تتذكرون مسرحية الدكتور فوستس (Dr Faustus) الذي باع روحه للشيطان؟ حسنٌ. أعتقد أن ثمن هذا البيع المزمع في القرن الحادي والعشرين هو نهاية الإنسانية التي نعرفها. فأولئك الذين لم يعتادوا مساءلة السلطة أو تحديها، والذين يتوجسون خيفة من الفراغ الذي يخلفه غيابها، هم أنفسهم يريدون صناعة روبوتات ينقادون لها، وهي توطئة للعبودية لإله اصطنعوه بأنفسهم، وهجران كل الروابط التي تربطهم بالإله الذي خلقهم.
نحن -في حقيقة الأمر- نقف على شفير هاوية. والمفارقة أنها تتزامن مع عصر يشهد صحوة آخذة في التسارع، فإما أن تنهار البشرية كلها أو تتحد لتكوّن عصرًا جديدًا، فكل الأنواع في توسع كمّي، ولكل واحد منّا الخيار في أن يتمثل تلك الصفات التي وهبه الله إياها أو أن يظل منكرًا لوجودها.
لقد زودتنا تلك الصحوة الحالية -في هذا الوقت الحرج- بوعي جديد بأن مستقبلنا -ومستقبل الكوكب أيضًا- بأيدينا نحن لا بأيدي غيرنا. فلنقطع إذن كل سبيل للتردد في مواجهة الحدث، وذلك بالاعتماد على ما وهبنا الله إياه من سمات أصيلة -كالشجاعة والكرامة والمثابرة- فنحن نمتلك بالفعل كل ما تستلزمه المواجهة، وهذا هو اختبارنا الأخير.
المصدر: islamicity