الفلسفة

حقيقة الأرقام التخيلية

مايكل بروكس*

ترجمة: هاجر حسن      

تحرير: محمد عبيدة

إن الأرقام التخيلية ليست خيالية على الإطلاق؛ والحقيقة أن لهذه الأرقام تأثيرا على حياتنا أكبرَ بكثير من أي شيء آخر يمكن تخيله حقًا؛ فبدونها، وبدون الدور الحيوي الذي تلعبه في توفير الكهرباء للمنازل والمصانع ومجموعات خوادم الإنترنت، فلن يكون للعالم الحديث وجود. قد يشكو بعض الطلاب لأستاذهم في الرياضيات أنه لا فائدة من تعلم كيفية استخدام الأرقام التخيلية، لكن، يجب عليهم حينها ترك هواتفهم، وإيقاف تشغيل موسيقاهم الخاصة، وسحب الأسلاك من جهاز التوجيه واسع النطاق.

الآن، ربما صار بإمكننا البدء بشرح ما هو الرقم التخيلي:

   نحن نعلم حالياً كيفية تربيع رقم، وهو ضربه في نفسه، ونعلم أيضاً أن الأعداد السالبة تشكل عددًا موجبًا عند تربيعها، وأن حاصل ضرب ناقص في ناقص هو زائد، أتذكر؟ ف: (–2) × (–2) = 4؛ ونعلم أيضا أن الجذر التربيعي هو معكوس التربيع، فعلى سبيل المثال، فالجذور التربيعية المحتملة لـ 4 هي 2 و -2. وبهذا ينشأ العدد التخيلي من السؤال عما هو الجذر التربيعي لـ –4.

    ما نكتشفه هنا ليس لغزًا عميقًا حول الكون.

  بالتأكيد، فالسؤال هنا لا معنى له، فإذا قمت بتربيع رقم، سواء أكان موجبًا أم سالبًا، يكون الناتج موجبا. لذا، لا يمكنك عكس العملية إذا بدأت برقم سالب. هذا بالتأكيد ما كان يعتقده هيرو السكندري. و”هيرو” هذا مهندس معماري مصري، أعطتنا حيله الرياضية المكتوبة في علم قياس المجسمات {stereometric} قبةَ جامع آيا صوفيا. في نفس المجلد، أوضح كيفية حساب حجم باحة هرم مبتور (وهو هرم مقطوع القمة). وتضمن حله لمثال واحد طرح 288 من 225، وإيجاد الجذر التربيعي للنتيجة. وكانت النتيجة رغم من ذلك رقما سالبا: –63. لذا يمكن العثور على الإجابة عن طريق √ – 63.

لسبب ما – سواء أكان الإحساس بحدوث خطأ ما، أم أن شخصا ما نسخ شيئا خاطئا، أم ربما لأنه كان عبثيا للغاية (تُظهر المخطوطات التي لدينا تجاهل هيرو لعلامة الطرح) كتب الإجابة -63 بدلاً من ذلك.

الجذور التربيعية للأعداد السالبة هي ما نطلق عليه الآن الأعداد التخيلية. وكان أول من اقترح أنه لا ينبغي تجاهلها هو عالم الفلك الإيطالي جيرولامو كاردانو في القرن السادس عشر، الذي شرع في مشروع ضخم: وهو كتاب يشرح بالتفصيل كل المعلومات الجبرية في عصره. وأثناء حله للمعادلات التكعيبية، توقف وحدق في المسألة، وأطلق عليها في البدء وصف: “الحالات المستحيلة”. وفي كتابه عن الجبر عام 1545، الفن العظيم، أعطى مثالًا لمحاولة تقسيم 10 إلى عددين يتضاعفان معًا ليصبح الناتج 40. وفي عملية العثور على تلك الأرقام، تواجه 5 + √ – 15.

 لم يجفل كاردانو من هذه المصادفة غير المتوقعة. ولكنه في الواقع، دَونَ بعض الأفكار حول هذا الموضوع. ومع ذلك، فقد كان يكتب باللاتينية، الأمر اذي جعل المترجمين مختلفين حول ما كان يقصده بالفعل؛ فبالنسبة إلى البعض، أطلق عليه “الموقف الخاطئ”. وبالنسبة إلى آخرين، هو رقم “وهمي”؛ ولا يزال فريق ثالث يرى أنه يصف الوضع بأنه “مستحيل” الحل؛ كما تُرجمت إحدى ملاحظاته الإضافية حول كيفية المضي قدمًا في مثل هذا الموقف بأنها: “تنحية التعذيب العقلي جانبًا”، و “فقدان الأجزاء التخيلية”. وفي موضع آخر أشار إلى هذا باعتباره “دقة حسابية نهايتها “دقيقة بقدر ما هي غير مجدية”، وأضاف: إنه “معقد حقًا”. لا يمكن لأحد تنفيذ العمليات الأخرى التي يستطيع القيام بها في حالة وجود سلبي بحت.” والمقصود بالسالب البحت رقم سالب قياسي، مثل –4. وقد كان سعيدًا بالأرقام السالبة وكتب أن “√9 إما +3 أو –3، لأن زائد {ضرب زائد} أو ناقص ضرب ناقص ينتج عنه موجب.” ثم تابع، “√ – 9 ليست +3 أو –3 لكنها نوع ثالث من الأشياء المبهمة.” من الواضح أن كاردانو كان يعتقد أن الجذور التربيعية للأرقام السالبة  شيئً غامض ونظري، ولكن في نفس الوقت كان يعلم أن هناك شيئاً – وهو شيء يجب على عالم الرياضيات التعامل معه. لكن المهمة لم تكن من اختصاصه. لذا، لم تذكر أي من كتابات كاردانو اللاحقة الجذور التربيعية للأرقام السالبة. لقد ترك الأمر لزميله، رافائيل بومبيلي، لمعالجتها بعد عقدين أو نحو ذلك.

   فيما أسماه “الفكر الجامح”، اقترح بومبيلي في عام 1572 أنه يمكن التعامل مع المصطلحين 5 + √ – 15 باعتبارهما شيئين منفصلين. وأضاف: “يبدو أن الأمر برمته يعتمد على السفسطة بدلاً من الحقيقة”، لكنه فعل ذلك على أي حال. وما زلنا نفعل ذلك اليوم لأنه ينجح.

    يتطلب الوصف الرياضي الكامل للطبيعة وجود أرقام خيالية.

  هذان الشيئان المنفصلان لبومبيلي هو ما نطلق عليه الآن الأرقام الحقيقية والأرقام الخيالية. والجمع بين الاثنين يُعرف باسم “الأرقام المعقدة”، {وهي مجموعة مثل المجمع الصناعي العسكري ويتحدث عن الجمع بين الأجزاء الحقيقية والخيالية بدلاً من التعقيد}. ولكن دعونا نتحدث بوضوح. إذا كان هناك شي واحد تعلمناه خلال هذا الوقت في مراجعة الرياضيات، فهو أن كل الأرقام خيالية. إنها ببساطة تدوين يُساعد في مفهوم {كم العدد}. لذا، فإطلاق اسم “الأعداد الخيالية” على الجذر التربيعي للأرقام السالبة يُعتبر ازدراء وغير مُجد بالمرة.

  وبعد هذا القول، يجب أن نعترف بالفرق. إن ما يطلق عليه علم الرياضيات أرقاما حقيقية هي الأرقام المعتادة أكثر لديك. “اثنان” في تفاحتين؛ 3.14…في قياس نسبة محيط الدائرة إلى قطرها {pi}. ومثلما تكتمل منطقياً الأرقام الموجبة بالأرقام السالبة، فما نطلق عليه الأرقام الحقيقية تكتمل بما نطلق عليه الآن الأرقام الخيالية. فكر فيها مثل ين ويانغ أو الرؤوس والذيول. وبالتأكيد هي ليست خيالية في الواقع.

  وبرهن بومبيلي، في أفكاره الجامحة، أن مجموعة الأرقام الجديدة تلعب دوراً في العالم الحقيقي. وشرع في حل معادلة تكعيبية تخلى عنها كوردانو:

   س  = 15س+4. فيتطلب حل كوردانو التعامل مع تعبير يحتوي على الجذر التربيعي للرقم -122، وهو لا يعلم كيف يتماشى مع الأمر. على صعيد أخر، أعتقد بومبيلي أن بإمكانه تطبيق القواعد الحسابية العادية على الجذر التربيعي. لذا، قال إنه ربما √-121 هي نفسها √-121× √-1 وتكون نتيجته 11× √-1.

  ويشمل الإنجاز العظيم الذي حققه بومبيلي في رؤية هذه الأرقام الغريبة، والتي تبدو مستحيلة، وهي تخضع لقواعد حسابية بسيطة بمجرد فصلها عن الأنواع الأخرى الأكثر شيوعاً من الأرقام أثناء الحساب. وما جاء بعد ذلك هو فقط التعامل الحازم مع هذه الصعوبات.

   وانطلاقاً من معادلة كوردانو التكعيبية، فقد توصل في نهاية الأمر إلى حل

   س= {2+√-1} + {2-√-1}

  وفصلها إلى ما نطلق عليه الآن: الأجزاء الحقيقية والتخيلية، وتبسيطها إلى 2 زائد 2، و 1-√ ناقص √-1. وتختفي الأجزاء التخيلية، وتترك لنا فقط 2+2. لذا أحد حلول س³ = 15س + 4 هي أن س=4. يمكنك القيام بذلك والتحقق منه بنفسك.

   في تلك الفترة الزمنية، تم الاتفاق على استخدام لتمثل √ -1. وأول من أبتكر هذا هو عالم الرياضيات السويسري ليونهارت أويلر. ومن السهل افتراض أن i اختصار لكلمة {imaginary} (=خيالية)، لكن الحقيقة أنه ربما أختارها أويلر عشوائياً كما هو الحال مع e. ولكن أياً كان السبب، فإن خطوة أويلر رسخت i باعتباره الرقم التخيلي، وهي طريقة غير مجدية على الأطلاق كما رأينا.

   ولمعرفة ما هو الرقم التخيلي بشكل أفضل، دعونا نفكر في خط الأعداد القياسي الذي يمتد من -1 إلى 1 {يمكنك التفكير فيها باعتبارها مسطرة موضوعة على منضدة أمامك، وتمتد من -1 على اليسار إلى +1 على اليمين}. ونطلق على عملية التحرك على طول الخط باسم الجمع والطرح {أنا أقف عند 0.3 وسأضيف 0.3، إذن سيكون الناتج 0.6}. ولكن يمكننا أيضاً تخيل إجراء بعض التحركات بالضرب. فإذا بدأت من 1، كيف أصل إلى -1؟ اضرب في -1. لذا، دعنا نتخيل الضرب في -1 على إنه نصف دوران، عكس اتجاه عقارب الساعة، حول دائرة {في هذه الحالة، الدائرة تمر من خلال 1 و -1}. وهو في الواقع دوران بمقدار 180 درجة. ويفضل علماء الرياضيات استخدام وحدات للدلالة على الزوايا، فتكون 180 درجة هي π راديان وبالتالي {360°، الدائرة الكاملة، تساوي 2π راديان}.

   ماذا يحدث إذا قمنا بنصف هذا الدوران فقط؟ إنها في منتصف عملية الضرب في -1، ويمكنك التفكير فيها كما هو الحال عند الضرب في √-1. وهذا الدوران بمقدار π/2 راديان {أو 90°} يترك الرقم في الجزء العلوي من محيط الدائرة، بعيداً عن خط الأعداد القياسي. لذا، يمكننا التفكير في الجذر التربيعي للرقم -1 كما يوجد على خط الأعداد الذي يمتد بزوايا قائمة لخط الأعداد المألوف لدينا. وهناك أيضاً مجموعة أخرى من الأرقام، على مسطرة هذه المرة وتتقابل مع المسطرة الأخرى عند 90° لتشكل تقاطع، مع+1 في النهاية الأبعد عنك، و-1 أمامك مباشرة.

هذا يقودنا لمكان مشوق: إن العلاقة بين الدوران في دوائر تعني أن і ترتبط ب π والجا والجتا للزوايا. ويتوسط الرقم الغريب e هذه العلاقة، ويُسمى في الأغلب رقم أويلر. ويبدأ هذا الرقم “غير العقلاني” بالتسلسل 2.71828… ويمتد إلى مالا نهاية. وهو متوفر في الرياضيات، وهو أيضاً ضروري في الإحصائيات، والتفاضل، واللوغاريتمات الطبيعية، ومجموعة من العمليات الحسابية. وقد نجح أويلر تماماً فيما يبدو عليه هذا من خلال أخذ نوع معين من المتسلسلة اللانهائية {وتسمى متسلسلة تايلور}، واستنتاج شيء يُعرف الآن باسم صيغة أويلر:

isinθ ± cosθ = e±iθ

يوضح هذا وجود علاقة أساسية بين قاعدة اللوغاريتم الطبيعي والرقم التخيلي. وعلاوة على ذلك يمكنك اختصار هذا إلى العلاقة المعروفة باسم متطابقة أويلر:

0 = 1 + eiπ

  بالنسبة للبعض، فهي صيغة شبه غامضة. ولدينا هنا قاعدة اللوغاريتم الطبيعي ؛ والأرقام 0 و1، ويُعتبر الأثنان من الحالات الفريدة على خط الأعداد بطوله؛ والعدد التخيلي، وهو حالة خاصة بمفرده؛ وأيضاً π كما نعلم هو مصدر القوة في علم الرياضيات. وبالرغم من اكتشافها في أوقات مختلفة من أشخاص مختلفين يبحثون في أجزاء مختلفة من الرياضيات. ولكن أتضح إنها مترابطة ومتواجدة في هذه المعادلة البسيطة والمتقنة.

   وربما لو نظرنا إليها من منظور مختلف فلا ينبغي لنا أن نتفاجأ. كما هو الحال مع π، فإنه حقيقةً لا يوجد أي شيء غامض حول هذه الصيغة. فهي تنتج من حقيقة أن الأعداد تتغير وتغير نفسها وبعضها البعض أثناء الدوران. ويحدث هذا فقط بسبب ماهية الأرقام: فهي تمثل العلاقات بين الكميات. فنحن لا نجد أي شيء غامض عند التحرك على طول خط الأعداد {الحقيقي} باستخدام الجمع والطرح. وحقاً لا يوجد أي شيء غريب حول التحولات التي تحدث خلال الضرب والقسمة. وتذكر أن الجا والجتا هي مجرد نسب – رقم مقسوم على رقم أخر- وهي ذات صلة بالزوايا داخل المثلثات، ويمكنك تمثيل تلك الزوايا من خلال النسب أو مضاعفة الوحدات المسماة راديان π. لذا، ما نكتشفه هنا ليس بلغز عميق حول الكون، لكنها مجموعة من العلاقات المفيدة والواضحة الناتجة عن تعريف الأرقام بطرق مختلفة.

   في الواقع، هذه العلاقات أكثر من مفيدة – ويمكن وصفها بأنها حيوية. دعونا نطبقها على العلم، على سبيل المثال: يبدو أن الوصف الحسابي الكامل للطبيعة يتطلب وجود أرقام خيالية. الأرقام “الحقيقية” التي تعلمنا منها الكثير ليست كافية. يجب دمجها مع الأرقام التخيلية لتكوين الأرقام “المعقدة” التي أكتشفها بومبيلي لأول مرة. وكما يقول عالم الرياضيات روجر بنروز أن النتيجة عبارة عن اكتمال رائع. “يبدو أن الأرقام المعقدة تجد الوفاق مع الطبيعة مثل الأرقام الحقيقية وربما أكثر وهي رائعة حقاً”، وقد قال في كتابه الطريق إلى الواقع: “يبدو أن الأمر كما لو أن الطبيعة نفسها معجبة بنطاق واتساق نظام الأرقام المعقدة كما نفعل نحن، وعُهد إلى هذه الأرقام العمليات الدقيقة لعالمها ومقاييسها الدقيقة”. بمعنى أخر، كان لابد من اكتشاف الأرقام التخيلية، لأنها جزء أساسي من وصف الطبيعة.

* مايكل بروكس، وهو كاتب علمي مقيم في المملكة المتحدة. وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان: فن المزيد: كيف خلقت الرياضيات الحضارة

المصدر
nautil.us

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى