الفلسفة

تفسير ما لا يمكن تفسيره بنظريات الوعي غير-المحلية

نشر: Institute of Noetic Sciences

ترجمة: أحمد زايد

كيف نعي أننا واعون؟ يبقى الوعي لغزاً محيراً للعلم. يفترض علم الأعصاب اليوم أن الوعي ينشأ من الخلايا العصبية التي تتفاعل مع بعضها البعض في الدماغ. ومع ذلك، ما زلنا لا نملك تفسيرًا بالضبط لكيفية تسبب هذه التفاعلات العصبية في تجربة شخصية واعية أو تجربة كونك واعيًا. أو لنكون أكثر تحديدًا، كيف يمكن أن تجعلنا الخلايا العصبية المتفاعلة مدركين للتجارب العميقة والمؤثرة للوقوع في الحب أو الاستمتاع بقطعة فنية مبهجة أو الشعور بموجة من الإلهام المبهر.

في بحث نُشر مؤخرًا في المجلة العلمية الشهيرة (Frontiers In Psychology)، نظرنا في كيفية معالجة العلم حاليًا للوعي والطرق البديلة الممكنة لعرض مشكلة الوعي الصعبة والتي يمكن أن تساعدنا في حل هذا اللغز البشري الذي طال أمده.

الدماغ باعتباره منتجا للوعي.

تفترض النظرة العلمية السائدة الحالية للعالم أن المادة هي لبنة البناء الأساسية للكون. تسمى هذه الفلسفة بالفلسفة المادية وتقترح أنه يمكننا رد كل ظاهرة إلى أجزاء مادية أصغر لتفسيرها. في هذا النموذج، تعمل الخلايا العصبية معًا لتوليد الوعي بطريقة ما. ومع ذلك، لا يتفق الماديون على كيفية حدوث ذلك. في الورقة، نراجع نظريات علم الأعصاب الرئيسية للوعي ونقترح أنه ربما توجد فجوات في هذه النظريات لأن بعض الافتراضات – مثل فرضية أن الدماغ يولد الوعي – خاطئة أو غير كاملة.

تجارب بشرية واعية استثنائية غير مفسرة [مادياً].

لماذا لا تشرح النظريات المادية للوعي بسهولة تجارب بشرية معينة وتسبب لنا التساؤل عما إذا كان الوعي يعتمد حصريًا على نشاط الدماغ؟. على سبيل المثال، هناك تجارب واعية موثقة جيدًا لأشخاص يدركون المعلومات عن بعد، ومن المستقبل، ويدركون انطباعات عقلية من أشخاص آخرين، كل هذه الظواهر يصعب تفسيرها باستخدام النماذج المادية الحالية. هل سبق لك أن حلمت بحلم تحقق تمامًا في الواقع كما رأيته؟ تقول المادية إن ذلك أمر مستحيل.

بالإضافة إلى ذلك، في حين أن هناك العديد من الأمثلة على وجود ترابطات بين السلامة العصبية والسلوك البشري، مثل عندما يتسبب تلف منطقة في الدماغ (على سبيل المثال، من سكتة دماغية) في حدوث تغييرات في السلوك البشري (على سبيل المثال، فقدان القدرة على الكلام)، هناك أيضًا العديد من الحالات التي يكون فيها الارتباط غير واضح تمامًا. على سبيل المثال، هناك حالات موثقة حيث يكتسب الناس، من خلال حدث صادم أو بدون سبب واضح، مهارات معرفية دون تدريب أو خبرة سابقة، مثل أولئك الذين يكتسبون فجأة مهارات موسيقية أو رياضية استثنائية. هناك أيضًا حالات لأشخاص يمكنهم التحدث بلغات لم يسبق لهم تعلمها من قبل. في مثال آخر، هناك حالات طبية يتدهور فيها الدماغ لدرجة أنه بالكاد تبقى أي أنسجة دماغية وظيفية، ومع ذلك يستعيد الفرد بشكل مؤقت الذاكرة والانتباه والقدرة على التحدث والاستجابة الواعية. إذا كانت وظيفة الدماغ مرتبطة تمامًا بالسلوك البشري والتجارب الواعية، فلن نتوقع رؤية مثل هذه الحالات الاستثنائية.

هل يمكن لنظريات الوعي غير-المحلية أن تفسر ما لا يمكن تفسيره مادياً؟

لتفسير هذه الحالات الاستثنائية حيث يبدو أن الوعي يمتد إلى ما وراء الدماغ والجسد المادي في كل من المكان والزمان، تم اقتراح نماذج بديلة للوعي – أو نظريات الوعي غير-المحلية. نستعرض بعض هذه النظريات في الورقة الجديدة. لا تفترض هذه النماذج أن الوعي متمركز في وناتج عن نشاطات الدماغ وحسب. يصعب تخيل هذا باستخدام نموذج للواقع حيث تكون المادة هي لبنة البناء الأساسية للكون، ولكن ليس إذا انقلب النموذج وأصبح الوعي هو لبنة البناء الأساسية بدلاً من ذلك، ليصبح أكثر جوهرية من المادة والزمكان.

نعم، قد يتطلب تضمين النظريات غير-المحلية للوعي تغييرًا في نظرتنا إلى العالم، لكن هذه لن تكون المرة الأولى التي يحدث فيها تحول في نظرتنا إلى العالم في العلم. أحد الأمثلة البارزة على ذلك هي الثقوب السوداء. في عام 1915، اقترح كارل شوارزشيلد إمكانية وجود ثقوب سوداء في الكون. لكن في عام 1939، نفى ألبرت أينشتاين إمكانية وجود الثقوب السوداء. في الستينيات من القرن الماضي، نشر روجر بنروز أوراقاً علمية توضح كيف يمكن أن تتشكل الثقوب السوداء باستخدام معادلات النسبية العامة، مما دفع علماء فيزياء آخرين إلى التفكير في هذا الاحتمال. أخيرًا، بعد نصف قرن، رصد علماء الفلك وجود الثقوب السوداء في الفضاء. إذا تم إسقاط إمكانية وجود ثقب أسود بشكل دائم، كما اقترح أينشتاين، فما كنا لنكتشفها أبدًا.

تضمين جميع النظريات.

هذا التوتر بين مقاومة النماذج العلمية الجديدة والتقدم أمر شائع في العلم ويساعدنا على استكشاف النظريات بحذر دون التخلي عن الأدلة السابقة. ومع ذلك، فإن قصصًا مثل تلك التي تدور حول الثقوب السوداء هي تذكير جيد للتعامل مع جميع الظواهر والنظريات بفضول وتواضع وإقرار بأنه في أي وقت من الأوقات، نحن لم نكتشف كل شيء. هناك دائمًا المزيد لاكتشافه حول كوننا. إن تضمين نماذج أخرى لا تتناسب مع النظرة العلمية السائدة للعالم يمكن أن يساعد في تعزيز فهمنا للعالم الذي نعيش فيه ويمكنه حتى تسريع التقدم العلمي من خلال شرح ما لا يمكن تفسيره.

من المهم أن يدمج العلم السائد نظريات الوعي غير-المحلية، مثل نشر هذه النظريات في مجلات علمية مرموقة كمجلة (Frontiers in Psychology) كما فعلنا، لأنه بينما تشرح المادية الكثير في عالمنا، فإنها لا تفسر كل شيء، بما في ذلك هذه الحالات الاستثنائية الرائعة. قد توفر النظريات غير المادية التي تشير إلى أن الوعي أساسي و/أو غير محلي طريقًا لفهم هذه الظواهر. قد تساعدنا حتى على فهم أنفسنا وتجاربنا البشرية بشكل أفضل. للوصول إلى هناك، نحتاج إلى نظريات قابلة للاختبار وعقول متفتحة للتحقيق حقًا في هذا الشيء المذهل والمراوغ الذي نسميه الوعي.

المصدر
noetic.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى