الفلسفة

الجانب المظلم في تظاهرك بأنك على ما يرام

داريوس فوروكس

ترجمة: سارة العامري

تحرير: ريم الطيار

بالنسبة لي، الاتّساق أهم من التقدم الذي أُحرزه؛ قبل سنواتٍ عدة، شاهدتُ وثائقي على التلفاز، لا أتذكر تفاصيلاً كثيرة عنه، لكن علق مشهد مهم في رأسي!

يتحدث الوثائقي عن الاعتلالات المخفية التي قد تظهر في شخص ولا يعيرها أي اهتمام لسنوات؛ المشهد الذي أشير إليه ظهر فيه رجل في الستينات من عمره، تحدث عن الصداع الشديد الذي عانى منه لمدة خمس أو ست سنوات.

كانت زوجته تحثه على إجراء الفحوصات، لكن دائما ما كان يقول: ” لا مشكلة، لم يمت أحد من صداعٍ قط”، (قد يكون الصداع مؤشرًا على أمراض خطيرة) عندئذٍ، أخذ الرجل بنصيحة زوجته عندما زاد الوضع سوءًا، وقرر الفحص.

قال الرجل: “اتضح أن الأمور لم تكن على ما يرام إطلاقًا، ولقد تلقنتُ درسًا” بعدما تبين أن الصداع كان سببه ورم في المخ، بيّن الوثائقي كم كان الرجل محظوظًا لبقائه على قيد الحياة؛ لأنه كاد يدفع ثمن حياته.

كانت نجاته معجزة؛ الأشخاص الذين يمرون بتجربة مثل هذه عادةً لا يعيشون مدة طويلة ليتحدثوا عنها.

العناد وجنون الارتياب

أعرف العديد من الأشخاص الذين يظلون يعاندون في مثل هذه الحالات، واعتادت على رفض أي شيءٍ كهذا؛ عبارتهم المعتادة والمفضلة عندما يتعلق الأمر بصحتهم الجسدية والنفسية هي: “أنا بخير”.

لا أحد يظل متعافيًا طوال حياته؛ جميعنا نمر بالمشاكل الصحية والنفسية، وبعضنا عندما يعانون، يظلون يتظاهرون بأنهم بخير.

في كتاب “Get Out of Your Own Way”، يتكلم الطبيب النفسي مارك غولستن عن الطبيعة غير البديهية للإقرار بالألم؛ كما كتب: “لمجرد أن تعترف لنفسك بأنك مستاء أو تشعر بالألم، سوف تشعر بأنك مكشوفاً؛ ظنًا منك أنَّه يمنح تلك المشاعر السيئة، قوة أكبر، يمكن أن يزداد الوضع أكثر سوءاً، ولن تكون قادرًا على تحمل ذلك.”

أول ما تفعله عندما تجتاحك العواطف السلبية، تقلل من أهميتها، أو الهروب منها، لكن كما قال غولستن: ” العكس عادةً ما يكون صحيحًا، التعرف على الشعور، يطلق التوتر المكبوت ويجعلك تشعر بتحسن.”

أعتقد أنه يوجد مقياس، ونهاية الجهة الأولى من هذا المقياس نجد العناد، أما نهاية الجهة الأخرى فنجد جنون الارتياب، لا داعي لأن تذهب للطبيب لمجرد شك بأن مرضًا خطيرًا هناك، ولا داعي للتظاهر بأنك لا تعاني من مرض خطير عندما يستمر صداعك لعدة سنوات.

الاعتراف: الخطوة الأولى لأن تكون بصحة أفضل.

عندما لا تشعر بأنك بخير، وأن هنالك خطب ما، يجب عليك أن تقر بذلك؛ كأن تقول ببساطة: “أشعر بالصداع منذ ثلاثة أسابيع، لا أشعر بأنني بخير”، أو إذا كان من الناحية العاطفية، أن تقول شيئًا؛ مثل:” أشعر بأنني محبط في العمل.”

لا تخفي مشاعرك، أنت تحدثت عما تشعر به، لن يجعلك تشعر بتحسن فقط حيال الموضوع، بل ستكون احتمالية إيجاد حل عالية، آخر شيء تفكر أن تفعله هو أن تتظاهر بأنك بخير عندما لا تكون بخير حقًا.

بعضهم يعتبرون خبراء في إقناع الناس بأنهم بخير عندما لا يكونون كذلك، على الرغم من أنه ليس شيئًا يستحق التفاخر به، هذا فن مظلم، وله عواقب وخيمة.

قد يهدد الألم الجسدي، حيويتك، وقد يهدد الألم العاطفي، رغبتك للحياة، فبدلًا من إبقاء أمراضك في الخفاء، أظهرها للعلن.

كيف أبقى متسقًا؟

الاتساق، يعتبر أكثر أهمية بالنسبة لي من التقدم الذي قد أحرزه، أُفضل أن أبقى جيدًا بشكل متسق، على أن أبقى جيدًا من حين إلى آخر، هذا ما يجعل الحياة ممتعة بالنسبة لي.

هنا بعض النقاط التي افعلها لكي أبقى متسقًا:

  • عندما لا أشعر بالطاقة الكافية، أفضل ألا أعمل كثيرًا، أو ألا أعمل على الإطلاق: أستطيع ان أنجز عملي، وأكثر بيوم واحد على أكمل وجه عندما أشعر بأنني بخير، أكثر من أن أنجز في خمسة أيام بالمتوسط، من وجهة نظري؛ لا أشعر بأنه من المنطق أن تعمل وأنت لست بخير، على الرغم من ذلك، فإنني أعمل عندما أشعر ببعض الآلام أو التعب، لا أشكو كثيرًا، أنا أعني عندما لا تشعر بأنك على مايرام لدرجة أنك لا تستطيع أن تفكر جيدًا يستحسن أن تأخذ قسطًا من الراحة، وإذا لم يتفهمك الآخرين، فمن الأفضل ألا تتعامل معهم من الأساس.
  • لا أضغط على نفسي كثيرًا: أضع أهدافًا، لكن إذا لم تسير الأمور كما خُطط لها، لا أكترث. عبارتي المفضلة هي “وإن يكن؟” لم تحصل على المنزل الذي أردته؟ وإن يكن؟ تقدمت بالعمر؟ وإن يكن؟ مشروعك الجانبي فشل؟ وإن يكن؟ لا زلت حيّاً تُرزق.
  • لا أغير عاداتي الرئيسية: التأمل، والتمرين، والقراءة، والنوم غير قابلين للتفاوض بالنسبة لي، إذا خُيرت بين المال وبينهم سأختارهم، عندما ألتزم بعاداتي المهمة، أشعر بتحسن أكثر، فلماذا أتخلى عنها من أجل شيء ما؟
  • لا أخذ الحياة على محمل الجد: الفكاهة هي أفضل علاج لتهدئة الألم العاطفي. عندما تشعر بالاستنزاف، افعل شيئًا يرفه عنك، اضحك على تصرفاتك، شاهد مقاطعاً فكاهية، التقِ بصاحبك الظريف، افعل شيئًا يحسسك بسخف الحياة، لا تأخذ الحياة على محمل الجد.

وأهم نقطة، سوف أطلب المساعدة عندما لا تسير الأمور وفق ما خُطط لها، أفضل أن أضع غروري جانبًا، وأحل المشكلة من جذورها حتى لا تصبح معضلة.

في هولندا، لدينا عبارة مشهورة وهي: ” إنك تصنع فيلًا من بعوضة” (تجعل المشكلة أكبر)، عندما تكون التحديات مثل حجم البعوضة، تخلص منها، وسوف تتجنب مشاكل بحجم الفيل.

المصدر
dariusforoux.medium.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى