الفلسفة

إذا استغلقت عليك الكتابة، فاصدُق مع نفسك

ساشا تشابين

ترجمة: رقية السيد

تحرير: محمود سيّد

ربما اشتكيتَ من قبلُ أنه لا شيء عندك لتكتب عنه، وأنّ عقلك أصبح فارغًا، وأنه لم تعُدْ لديك أفكار.

أنا لا أصدّقك! أعلم أنّ لديك أفكارًا، وأنّ عقلك يعمل باستمرار، إنك تُصدِر دائماً الأحكام والمواقف والآراء، وتُظهِر عواطف الحزن والضيق والغضب وما إلى ذلك، ومن ثَمّ فلديك أشياء لتكتب عنها. ما عليك فعله هو وضع الأشياء الموجودة في رأسك على الصفحة، بالترتيب الذي تحدُث به بشكل طبيعي، اكتب ما يدور في عقلك، اكتب عما يُضايقك.

إذا كنت لا تريد القيام بهذا، فهذا لأنك لا ترتاح لفكرة أنّ هذه الأشياء هي ما تعتقدها، كما تفضّل أن يكون لديك آراء متطورة، أو ربما آراء أكثر منطقيةً.

وعلى سبيل المثال، إذا كنت تريد الكتابة عما يسبّبه الذكاء الاصطناعي من مخاطر، فيبدو أنّ هذا ما يفعله الأشخاص المحترمون هذه الأيام. ولكن ما يثير رعبك هو أنه لا يمكنك إجبار نفسك على إخبار العالم أنّ الذكاء الاصطناعي قد يدمّر البشرية، كما أن هذا ليس ما تعتقده في الواقع. بل هو في الواقع ليس إيمانك الحقيقي. ومن الغريب أن تعتقد أنّ الذكاء الاصطناعي لن يصل إلى هذه الدرجة، كما أنها فكرة غير مُريحة، كما تعلم أنّ الكثير من الأشخاص المؤثرين يفكرون بطريقة أخرى، وأنّ الاتفاق معهم أسهل من جميع الجوانب.

ربما يكونون مُحقّين وأنت مخطئ، وربما يكون ما تكتبه هُراء. ولكنك لن تعرف ما لم تتحمّل كلفة متابعة الفكرة، وإذا لم تتمكّن من كتابتها؛ انسَ أمر النشر، فنحن نتحدّث عن الإجراءات الأولية فقط، وهذا يعني أنك لا تريد أن تعرّف نفسك.

ربما تستمر في الإصرار على أيّ حال، وتحاول أن تضع رسمًا تخطيطيًّا لفظيًّا للشخص الذي تتمنى أن تكون عليه، ولكنه صعب؛ لأنك على نحو ما تعلم أنك تكذب أو أنّ كلماتك تفتقر إلى الإقناع، وأنّ هذا مكان قبيح، كما أنه لتكون مقبولًا في مجتمع مهذب؛ عليك أن تُجامل، وهذا شعور غير سارّ ولكنه محتمَل، ولكن الكذب الصُّراح أمر فظيع.

أجد أنه أمر يُتغاضى عنه لصعوبة الكتابة فيه، أجد الناس يعتقدون غالبًا أنّ لديهم مشكلةً في أسلوب الكتابة، بينما في الواقع لديهم مشكلة صراحةٍ، وأنهم يعتقدون أنّ الكتابة مُرهِقة، في حين أنهم يقصدون في الواقع أنّ الكتابة كشخص آخر أمر مُرهِق. إذا لم تكن من النوع الذي يهتمّ كثيرًا بكتابة رواية خيالية ملحمية، فبغضّ النظر عن مدى اعتقادك أنه يجب عليك كتابة رواية خيالية ملحمية، فلن تشعر بالرضا. هذا لا يعني عدم تخصيص كتابتك للجمهور مُطلقًا، بل يعني أنه يجب عليك تشكيل شخصيتك في شكل مُستساغ بدلًا من التحدّث بما لست عليه.

العلاج بسيط، على الرغم من أنه يحتوي على صدمة قصيرة وحادّة من الصراحة مع النفس. لذلك توقَّفْ عن الكذب بشأن هويتك، واكتب الأشياء الموجودة بداخلك. وإذا كنت تريد في أعماقك أن تكتب عن لاعبي الجمباز المراهقين الذين أُسيء فهمهم مع الأُسود السحرية الأليفة، فلن يخرج خيالك الأدبي عن الضواحي الحزينة، وربما لن يُؤتي ثماره بشكل جيد.

عندما كنتُ صحفيًّا مستقلًّا، وجدت نفسي مُحاطًا بأشخاص يشكُون باستمرار من أنهم يُواجهون صعوبةً في الكتابة، وأنهم لم يتمكّنوا من العثور على الكلمات المناسبة. عند التفكير في الأمر، أعتقد أنّ كونك صحفيًّا مستقلًّا عادةً ما ينطوي على الكذب في مرحلةٍ مّا. لا أحد يكون متحمّسًا بشكل دائم كما يدّعي العديد من الصحفيين، ولا أحد لديه رأس مليء بالآراء التي تتناسب مع نافذة سريعة التغيّر.

على العكس تمامًا، عندما تكون على ارتباط وثيق بأولوياتك الجمالية والروحية والمادية والفكرية الصادقة، فالكتابة ستكون سهلةً. ولا أقصد ذلك، فعلى سبيل المثال، من السهل كتابة روائع خالدة كما أنّ هناك روائع من الكمال الجمالي لا يمكن الوصول إليها إلا عندما تلتقي المادة المناسبة بمجموعة من الأيدي المدرَّبة جيدًا. ولكن كتابة مسودّة جيدة بما فيه الكفاية، هو شيء يجب ضبطه حتى يصبح قابلًا للقراءة، كما يجب أن يكون بسيطًا إلى حدٍّ مّا. بالتأكيد، يتطلّب الأمر الانضباطَ لفتح المستند والبدء في الكتابة بدلًا من الاستمرار في استخدام (تويتر)، ولكن بمجرد أن تبدأ، يجب ألّا تشعر وكأنك تحاول فعل المستحيل. بل أن يبدو الأمر وكأنه سهل، سواء أدّى ذلك إلى تضخّم غاضب أو لعبة لطيفة.

وبعبارة أخرى، يجب أن يبدو كعمل وليس عملية ولادة، وقد اقترح هذا المعيارَ الناقدُ الفنيُّ ديف هيكي، الذي قال في مقابلة عن العمل الإبداعي بعد الكتابة والعمل مع العديد من الفنانين التشكيليّين العظماء في عصرنا: “أعتقد أنه إذا لم يُعجبك الأمر، ولم يكن سهلًا؛ فلا يجب أن تفعله، فالكتابة عمل، وليست عملية ولادة”.

نحن نفهم هذا التمييز جيدًا؛ فالولادة عملية صعبة، والولادة تعني قضاء ساعتك العاشرة في المُستودع عندما تبدأ فقراتك في الانهيار. ويمكن أن يكون العمل صعبًا ومُدهشًا ومُجهدًا وعاطفيًّا، ولكنه لا يتطلّب إكراهًا شديدًا، على الرغم من أنه قد يحتاج القليل من الإكراه، وفي بعض الأحيان، في شكل موعد نهائي أو بيئة عمل منظّمة من نوعٍ مّا. والأهم من ذلك، أنه يقود إلى مُكافأة أعمق من أنّ الأمر انتهى، ومن الارتياح الذي تشعُر به في نهاية يوم من العمل، يبدو أنك صنعت شيئًا حقيقيًّا.

إنّ الصدق مع النفس المطلوب هنا ليس لمرة واحدة فحسبُ، بل إنه عملية دائمة. فبينما تُواصل إنتاج العمل الإبداعي، سوف تتغيّر إلى الأفضل أو إلى الأسوأ في الجوهر، وقد تجد أنّ القيام بالأشياء التي قمت بها من قبلُ لم يعُدْ يتوافق مع مُناخك الداخلي، ويمنحك هذا خيارين تقريبًا: إمّا أن تسير مع من أصبحت بالفعل، أو تحاول أن تعود لما كنت عليه من قبل.

إذا كنت صادقًا، فستكتشف أنك لست ما تطمح أن تصبح عليه، وأنّ هناك مسافة بينك وبين قدوتك، ربما تكون مسافةً قصيرةً أو بعيدةً، ربما كنت تعتقد أنك كنت براغماتيًّا عقلانيًّا واضحًا، ثم تكتشف أنك عربة جوّالة برُوح شاعر، أو ربما العكس، ويمكن أن يكون مؤلمًا. لكن في النهاية، من الأسهل أن تتحمّل هذا الألم بدلًا من الاستمرار في مكان زائف، كما أنّ إجراء حفلة تنكّرية لا يمكن أن يخدعك، حتى لو خدعت الآخرين. إذا كنت لا تستطيع أن تكون صريحًا بشأن هويّتك في غرفة بمفردك، أجد صعوبةً في تصديق أنه يمكنك فعل ذلك مع الأشخاص الموجودين في حياتك.

المصدر
sashachapin.substack.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى