الفلسفة

أبراهام ماسلو: عقدة جونا والخوف من العظمة

  • الناشر: Academy of Ideas
  • ترجمة: سارة بن عمر
  • مراجعة وتحرير: محمد الربيعان

 

إن الأغلبية الساحقة من البشر تفشل في تحقيق حياة تكون بالكاد قريبة مما هم قادرون عليه. وإن اكتشاف سبب وجود انجذاب فطري أو نزعة فطرية إلى (الرداءة أو التوسط في الأداء) لهو أمر أساسي للتغلب على نزعة الرداءة هذه، والسعي نحو حياة تفضي بالإنسان إلى التفرد والنمو الشخصي.

لقد افترض أبراهام ماسلو وجود حالة نفسية متوارثة في الكائنات البشرية تدمّر أحلام العظمة عندهم, وتميل بهم نحو العيش في عيشة رديئة مُنمّطة. كما أنه سمّى هذه الحالة: (عقدة جونا)، تيمناً بجونا الشخصية المذكورة في الإنجيل، الذي حاول الفرار من القدر الذي كتبه الله عليه [1].

وفيما يلي مقتطفات رائعة من كتاب ماسلو: [أقاصي ما بلغته الطبيعة البشرية]، التي ستساعدنا في تسليط بعض الضوء على ما يبدو أنه حالة مؤسفة ومستشرية في الكائنات البشرية:

«إننا نخشى إمكاناتنا العليا… نحن نخاف عموماً من أن نصبح على ما نلمحه في لحظاتنا الأكثر كمالا, وفي ظل الحالات الأكثر مثالية، تلك الحالات التي نتسم فيها بأقصى درجات الشجاعة. نحن نستمتع بل نهيم بتلك القدرات الخارقة التي نراها في أنفسنا في مثل لحظات الذروة تلك. ومع ذلك، فإننا نرتعد ضعفاً ووَجَلاً وخوفاً أمام هذه القدرات عينها.» [ماسلو: أقاصي ما بلغته الطبيعة البشرية].

«لقد خططت في مسوداتي الأولى ما يلي: «خوف المرء من عظمته»، أو «تهرّب المرء من قدره»، أو «فرار المرء من أفضل مواهبه»… إنه لمن المؤكد قطعاً أن العديد منّا يتفادون المواهب التي يُدعون إليها جبلّيا (سمّها إن شئت نداء أو قدرا أو واجب الحياة أو مهمة). نحن كثيراً ما نتهرّب من المسؤوليات التي أملتها الطبيعة علينا (أو بالأحرى عَهِدت إلينا بها) بحجة القضاء والقدر وأحياناً حتى بالحوادث تماما كما حاول جونا، عبثا، الهرب من مصيره.» [ماسلو: أقاصي ما بلغته الطبيعة البشرية]

«إن الشخص الذي يقول لنفسه: «أجل، سأصبح فيلسوفاً عظيماً وسأعيد صياغة ما كتبه أفلاطون بل سآتي بأفضل من ذلك», لا بد أن يصيبه هوسه للعظمة وغروره ذاك بالخرس إن عاجلاً أو آجلاً خاصة في لحظاته الأكثر ضعفاً، سيقول لنفسه: «من؟ أنا؟», ثم يفكر في ذلك كأنه مجرد خيال جامح بل يخشى حتى أن يكون وهماً. تجده يقارن ما يعلم من باطن نفسه بكل ضعفها وحيرتها وعيوبها بالصورة المشرقة اللامعة الكاملة والخالية من العيوب التي يحملها عن أفلاطون ومن ثم سيشعر حتما أنه مدّع ومهووس بالعظمة. (إن ما لا يدركه هو أن أفلاطون نفسه، أثناء تأمله في ذاته، لا بد أنه شعر بالمثل, غير أنه واصل تقدمه متجاوزاً شكوكه حول نفسه.» [ماسلو: أقاصي ما بلغته الطبيعة البشرية]

.

عندما سأل ماسلو تلاميذه من منهم قد يكتب رواية عظيمة ومن منهم سيكون ملحّناً أو قائداً عظيماً:

«عادة ما يشرع الجميع في الضحك، وتحمرُّ وجوههم خجلاً ويرتبكون حتى أسأل مرة ثانية: «إن لم تكونوا أنتم هؤلاء فمن غيركم إذن؟», وهذه هي الحقيقة بلا شك، إذا كنتم تخطّطون عمداً لأن تكونوا أقل مما أنتم قادرون على أن تكونوه فإني أحذركم أنكم ستكونون تعساء لبقية حياتكم وسوف تتهربون من قدراتكم الخاصة ومن إمكانياتكم». [ماسلو: أقاصي ما بلغته الطبيعة البشرية].

– – – – –

[1]  المقصود هو نبي لله يونس، عليه السلام.

المصدر: #

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى